السعوديات محكومات بالأمل
في أثناء النقاشات التي شهدتها أجواء معرض الكتاب بشأن الانتخابات، وما قد تفرزه من نتائج "نسائية" تحديداً، انضممت إلى فريق المتشائمين، على الرغم من تفاؤلي التاريخي، ذلك أنني كنت أضع بالاعتبار تجارب المجتمعات الخليجية المشابهة، وأضيف إليها ما يشار إليه، عادة، بوصف "خصوصية المجتمع السعودي" وظروف المرأة فيه. فالجميع يعرف أن المرأة السعودية "غير" عن بقية النساء العربيات على الأقل، ولا يعود هذا الاختلاف إليها، وإلى استعداداتها وقدراتها التي لا تختلف عن استعدادات أي امرأة عربية وقدراتها بالتأكيد، لكنه يعود إلى قلة ما يسمح به لها مجتمعها من مشاركة في مناشط حياتية وحقوق كثيرة. وحتى الواجبات التي تعتبر من المسلمات في المجتمعات العربية الأخرى! فإذا أضفنا إلى تلك "الخصوصية" خصوصيات المجتمعات الذكورية الأخرى، في سمتها التاريخي العام ضد المرأة، أصبح لتشاؤمي ما يبرّره من منطق. ففي الكويت، مثلاً، حيث التجربة الديمقراطية على صعيد الانتخاب والترشيح الأعرق والأوسع والأكثر استمرارية والأكثر تمثيلا لروح الديمقراطية الحقيقية، في هامشها الواسع نسبيا، من بين التجارب الخليجية الأخرى، لم تصل المرأة إلى قبة البرلمان منذ التجربة الأولى، واحتاج المجتمع الكويتي، ذو الخبرة الانتخابية المتراكمة، وقتاً إضافيا ليقتنع بإيصال نساء إلى البرلمان، بالانتخابات الحرة والمباشرة.
وعليه، فلم أتوقع أن ما تؤكد عليه بعض من قابلتهن من سعوديات في جدة، عشية الانتخابات وقبيل إعلان النتائج، من وصول عدد لا بأس به من المرشحات إلى أهدافهن في المجالس البلدية، سيتحقق بهذه السرعة والبساطة. لكنه تحقق فعلاً، ومن بين ما يزيد على الألفي فائز في انتخابات المجالس البلدية، فازت عشرون امرأة في معظم المدن السعودية، وبخلفيات وانتماءات عائلية وقبلية ومذهبية مختلفة ومتنوعة، بما يعكس تنوع المجتمع السعودي وتعدديته بشكل عام. وعلى الرغم من ضآلة العدد نسبة إلى عدد الفائزين من الرجال، إلا أنه يبدو رقماً مهماً جداً في تاريخ النساء والرجال في المملكة العربية السعودية على السواء، فالانتخابات مختلطة، والأصوات التي صبت في الصناديق لصالح المرشحات العشرين كانت رجالية ونسائية، ثم إن المجتمع السعودي، كما لاحظت، لم تفاجئه النتيجة كثيراً، كما فاجأت مراقبين من خارج المملكة، وهذا يدل على ثقته بنسائه، وبقدرتهن على العمل والعطاء والمشاركة في البناء. وهو، أي هذا المجتمع، حتى وهو يبدو متردداً أحياناً في الاعتراف بذلك، بسبب تراكمات تاريخية اتكأت على فهم خاص، ليس دقيقاً بالضرورة، لتعاليم الشريعة الإسلامية، فإنه لا يمانع من التغيير المبني على إعادة التفكير في كل شيء.
في ختام كتابها "أبواب ودعتها"، والذي صدر قبل أسابيع، ووقعت نسخه الأولى للقراء في معرض جدة للكتاب، كتبت الصحفية والكاتبة السعودية أسماء العبودي، تحت عنوان "السعوديات يحققن أحلامهن" في استباق للحدث؛ "هذا العام 2015 سيختتم بخوض السعوديات أول تجربة انتخابية للمجالس البلدية. سترشح النساء، وسيكون لهن حق التصويت والاختيار. في داخلي أرى المعوقات كثيرة لنجاح هذه التجربة، لكنني مؤمنه بقدراتنا، وسنتفوق على أي عقبات". ومن الواضح لي، الآن، أن أسماء تعرف جيداً مجتمعها ونساءه اللواتي وصفتهن بأنهن "محكومات دوماً بالأمل، يرسمن أحلامهن، لكنهن لا يتوقفن أمامها كثيراً، بل يسعين إلى تحريرها، على الرغم من كل شيء"، وها هو الأمل يضع بصمته بوضوح وثقة، في أول تجربة انتخابية لهن.. ذلك أنهن يملكن الإرادة، وهذه وقود الأمل.