إسماعيل... الامتداد والأثر
في مبادرة وفاء جميلة، نظّمت منصّة الفن المعاصر في الكويت، منتصف الأسبوع، ندوةً استذكر المشاركون فيها عالَمَ الروائي الكويتي الراحل، إسماعيل فهد إسماعيل، بمناسبة الذكرى السادسة لرحيله.
لم يكن إسماعيل مُجرَّد روائي وحسب، بل كان اسماً عربياً مختلفاً في عالَم الرواية العربية، منذ صدرت روايته الأولى في بداية التسعينيّات، وبقي الاختلاف ما يميّزه دائماً، وما انتبه إليه هو نفسه في كتاباته ولقاءاته الإعلامية كلّها، وخصوصاً في السنوات الأخيرة.
حاضر في الندوة، التي عقدت بعنوان "إسماعيل فهد إسماعيل.. الامتداد والأثر"، الناقد فهد الهندال والروائي خالد النصر الله، وقدّم لها الروائي إبراهيم فرغلي، والثلاثة من أصدقاء إسماعيل، بل معظم الجمهور الحاضر كان من أصدقائه أيضاً، فتحوّلت الندوة الاستعادية تأبيناً جديداً لكاتبٍ كان صديقاً للجميع، لم يبخل بجدّه وبتجربته وبأفكاره على كلّ من اتصل به، وخصوصاً من الأدباء الشباب في الكويت.
عاش إسماعيل حياةً حافلة بالإبداع والكتابة والسفر والصداقات، فقدّم رواياتٍ عديدة تعكس عمق التجربة الإنسانية وتفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية في الكويت والعالم العربي. وتميّزت كتاباته بأسلوبها السلس، وبقدرتها على استكشاف مشاعر الشخصيات بعمق، ما جعلها قريبةً من قلوب القرّاء في كلّ مكان، وإن مال، في سنواته الأخيرة، إلى أن ينتهج كتابةً روائيةً مركّبةً، حاول فيها أن يستفيد من تراكم خبراته الإبداعية في ما يشبه المدرسة الجديدة في الكتابة التي تتكئ على نوع من التعقيد، ربّما لم يعتده قارئه الأول.
أما قضاياه فكانت دائماً تدور في فلك الإنسان المُهمّش، رغم اختلاف الأساليب في تناولها تبعاً لتراكم الخبرة، فكانت قضايا الهُويَّة والانتماء والتحرّر الوطني أبرزَ عناوينه، ولذلك يمكن لقارئه الوفي أن يتابع دورَه البارزَ في تسليط الضوء على التغيّرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الكويت طوال نصف قرن تقريباً، إذ استطاع أن يُقدّم رؤىً جديدةً وفريدةً عن المجتمع الكويتي، ما جعله أحدَ الأصوات الأدبية الأكثر تأثيراً في المنطقة.
في الندوة، تحدّث الهندال والنصر الله عن معرفتهما الحميمة بالراحل الكبير، وكيف كان قريباً من الجميع، حريصاً على متابعة ما يكتبون، متناسياً فكرةَ المنافسةِ، فرحاً بالنهضة الروائية التي تحقّقت في الكويت في العقدَين الأخيرَين تحديداً، كما تحدّثا عن تأثير رواياته على الكتابة الروائية في الكويت وخارجها، خاصّة أنّ أعماله لم تتوقّف عند حدود الزمان والمكان، بل امتدّت إلى جميع الأجيال.
كما استعرضا كيف أن إسماعيل فهد إسماعيل نجح في دمج الواقع بالخيال في بناء شخصياته الحقيقية، ما جعل رواياته ملاذاً نفسياً حقيقياً لفئةٍ من القرّاء الذين وجدوا فيها تعبيراً مباشراً عن مشاعرهم وتجاربهم الخاصّة، ما أحدث رابطاً إنسانياً قوياً بين الكاتب وقرّائه.
انتهت الندوة بمداخلاتٍ من الجمهور، كان لافتاً من بينها مداخلةُ الأديبة ليلى العثمان، التي تحدّثت بصفتها صديقة العمر كلّه لإسماعيل، فأثارت شجون الجميع، عندما استذكرت مواقف بينها وبين الراحل، وكيف أنّه كان الحضن الكبير لكلّ أصدقائه في لحظات الانكسار ومفاصل الوجع، وكأن العثمان بتلك المداخلة كانت تُعبّر عنّا جميعاً نحن الحاضرين شهودَ بعض المراحل.
نعم، لم يكن إسماعيل مُجرَّد كاتب روائي عابر في تاريخ الكويت والوطن العربي، بل كان صديقاً حقيقياً لكلّ من عرفه، لمن تماسّ معه في رواية أو لقاء أو كلمة، ولو من بعد، وهو ما جعل عنوان الندوة "الامتداد والأثر" عنواناً ذكياً عبّر عن رؤية الحضور لمسيرة الكاتب الكبير، ولأثره في الأدب، ولامتداده فيه أيضاً.