تنسب الرقابة إلى الروايات قدرات عجائبية، من ناحية التأثير السلبي في المجتمع، فقد تُدمّر أركان البيوت الهانئة، أو تصيب التعاضد الاجتماعي بالوهن، عدا التشجيع على الخلاعة، وربما ارتكاب الجرائم. مع أن مهارة الكاتب لا تتعدى أكثر من منح القرّاء متعة تجربة العواطف الجامحة، والتوق إلى التغيير، والحق في التعبير عن الذات، ومأساة افتقاد الحرية وغير ذلك. وقد يطرح أسئلة فلسفية، ما يؤدي إلى تجارب ذهنية عميقة بلا أخطار، لكن لا ضمانة من القلق، فالرواية على علاقة وثيقة بالواقع المعيش والمصير، ولو شطّ بها الخيال إلى عوالم افتراضية، تعوّض القارئ عن عالمه الفقير بعالم بلا حدود.
لا تتخوّف الرقابة من كتب المغامرات الخارقة والحب الجميل، فالمغامرات الخارقة سواء في كوكبنا أو الكواكب الأخرى، لا يتوقع حدوثها. أما الحب الجميل، فجميل في بداياته، بعد ذلك يعتمد على الحظ، ويكاد يكون معدوماً، ربما لأنه ينتهي بالزواج، أو بالفراق.
مهما حاول الكاتب التستر على مآربه، فالواقع دليله، كذلك الرقيب، إذ يخشى على هذا الواقع من التصدع تحت تأثير ثورة أو انتفاضة، أو حتى دعوات سلمية. لا تحتاج المهمة إلى رقباء عباقرة ولا إلى مترصدين محنكين، فقط مدّعي ذكاء، وهم من المصائب التي تحيق بالكتابة، فيتهم الكاتب بالتسيّب وترويج العهر والكفر، لأن شخوص رواياته ملحدة، أو متهتكة تحفل بآراء منحطة.
ينسحب أيضاً إلى ما يتفوّه به أبطال رواياته، وتحميله مسؤولية ما صدر عنهم من حماقات، كأنه يدعو إليها، إن لم تعبّر عن توجهاته الشخصية أيضاً، رغم أن الرواية تحمل آراء متناقضة، وقد يحيلون إليه شبهة ما يسيء إلى أناس شرفاء، ولو كانوا مسؤولين لصوصاً.
ومثلهم هواة المنع من أصحاب الأخلاق الحميدة حرصاً على السلام المجتمعي، فللروايات دور تخريبي في السلوك الإنساني. فكانت الدعوة إلى منع الروايات البوليسية، بدعوى أنها تعلّم الجريمة وأساليب تضليل رجال الشرطة والمحققين الجنائيين، فطاول الاتهام دوستويفسكي بأنه تعاطف مع بطله راسكولنيكوف في قتل المرابية العجوز، وعلله بأسباب نفسية وعدمية ودينية، إضافة إلى الجنون والبؤس والشفقة والفقر، ما يبيح الجريمة، أو يخفف من وطأتها.
أوسعهم أفقاً وأبعدهم نظراً، أولئك الذين يخشون على وحدة البلاد من الحروب الأهلية، وما قد تؤدي إليه من نتائج سياسية واجتماعية، فالحرب الأهلية الأميركية التي استمرت أربع سنوات، ادُعي بأن رواية "كوخ العم توم" للكاتبة الأميركية هارييت بيتشر ستو، لعبت في قيامها دوراً كارثياً، بتحريضها على الدعوة التي لا لبس فيها إلى إلغاء العبودية وتجارة الرقيق.
ليس الخوف من القراءات السطحية، وإنما القراءات المغرضة والهادفة إلى تأبيد أوضاع قائمة على الظلم والجهل، فالكاتب لم يتطوّع لإثارة القلاقل، بقدر ما انساق في كتاباته إلى منحى كان دافعه الوحيد التعرف إلى الواقع.