الرباط: حملات انتخابية باردة وصمت سابق لأوانه

07 أكتوبر 2016
ناشط من "العدالة والتنمية" في الرباط (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تكن السلطات المغربية بحاجة إلى الإعلان عن موعد للصمت الانتخابي (بدأ في الساعة 12 ليل الخميس الجمعة) قبل ساعات من موعد فتح صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس النواب اليوم الجمعة، إذ إن أجواء العاصمة المغربية الرباط يسودها هدوء تام، لا يوحي للمتنقل بين شوارعها وأزقتها، على غرار شارع الحسن الثاني ومحمد الخامس وعلال بن عبد الله، بوجود انتخابات اليوم، في مشهد يتكرر إلى حد بعيد في شوارع الدار البيضاء. البحث عن شعارات انتخابية على الجدران للأحزاب الـ 30 المشاركة في الانتخابات، أو ناشطين يتولون توزيع المنشورات لحثّ الناخبين على التصويت اليوم، يكاد يكون أشبه بالمهمة المستحيلة. أما من يتصادف وجودهم فيبدي بعضهم تحفظات عدة على التقاط صور لهم، وخصوصاً أنهم يعملون في مناصب حكومية ويخشون التصوير، فيما تبدو الإجراءات الأمنية في الشوارع اعتيادية.

لكن على الرغم من هدوء الحملات الانتخابية قبل ساعات من بدء التصويت، وسط تأكيدات مراقبين أن الحملة الحالية أضعف من 2011، إلا أن العديد من المواطنين الذين استطلعت "العربي الجديد" آراءهم قد حسموا خياراتهم، إما بالمشاركة أو باللجوء إلى خيار المقاطعة، ولكل من هذين التيارين حججه التي يسوقها للدفاع عن قراره. مِن على كرسيه في أحد مقاهي العاصمة، يتحدث عمر سرّاج عن نيته التصويت لحزب العدالة والتنمية الذي فاز في انتخابات عام 2011. بالنسبة إليه يوجد لديه ما يكفي من الأسباب لإعادة انتخاب الحزب، على غرار ما فعل قبل خمس سنوات، ومنحه فرصة تصدر الانتخابات التي يتنافس فيها نحو 1410 قوائم للفوز بـ 395 مقعداً.

يصف سراج "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة، بأنه تمكن من "تشكيل أول حكومة بكل ما للكلمة من معنى في تاريخ المغرب". ويتوقف عند الإصلاحات التي قام بها الحزب في مجالات عدة من التغطية الصحية، إلى إصلاح نظام التقاعد، وخفض أسعار الأدوية، فضلاً عن زيادة الحد الأدنى للأجور. وبينما يؤكد سراج أن تصويته عبارة عن رسالة تأييد للحزب في نهج الإصلاحات، لا يتردد في إبداء خشيته من إمكانية حدوث تزوير، ومحذراً من إمكانية وقوع أزمة سياسية تعقب الانتخابات. أما ميموني عبد الرحمن، الذي يعرّف عن نفسه بأنه ناشط مجتمعي، فقد حسم خياره بالمقاطعة. يقول عبد الرحمن إنه غير راض عن العمل الحكومي. كما يعرب عن اعتقاده بـ"عدم وجود إمكانية للتغيير في ظل ملكية تنفيذية"، على حد قوله. بالنسبة إليه لا داعي للمشاركة "لأنه ليست لدينا حرية، وهناك تزوير للانتخابات، كما أن المغرب ليس دولة ديمقراطية".

وإن كان البعض يجاهر بخياره اليوم داخل صندوق الاقتراع، إلا أنّ كثرا ممن التقتهم "العربي الجديد" فضلوا تجنب الافصاح عن خياراتهم والحديث بشكل عام. خديجة (اسم مستعار)، تؤكد أنها تريد اختيار من لديه مصداقية. يبدأ صوتها بالانخفاض تدريجياً حتى يقترب من الهمس وهي تقول "نريد برنامجاً واضحاً، لا نريد وعودا لا تتحقق". كما تشير إلى أنها ستلجأ إلى الخيار الذي ترى أنه سيكون الأقل سوءاً وضرراً للبلاد، وتتحدث عن ضرورة المضي في إصلاح جدي وعدم الاكتفاء بالشعارات مطالبة الأحزاب بـ"الصدق في العمل والتعامل والرؤية".

بدوره، يقول الناشط الحقوقي محمد بوهدون في اتصال مع "العربي الجديد" إنه لن يصوت هذه المرة للحزب، بل سيصوت للشخص الذي يعمل بجدية لأجل المنطقة التي يترشح عنها.
في المقابل، يبدو الرجل الأربعيني، الذي اختار التعريف بنفسه باسم أبو الياس، أقرب إلى اختيار "التصويت العقابي" في انتخابات اليوم. يقول إنه يريد التغيير وليس فقط الإصلاح. وعلى الرغم من عدم إنكاره أنه حدث تقدم وإصلاح في بعض الملفات إلا أنه يرى أنها غير كافية. أما عن خياراته فيقول إنها تتراوح بين الأصالة والمعاصرة، الحزب المعارض الرئيسي الذي ينافس العدالة والتنمية، وبين الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، مشيراً إلى أن الاحتمالات تبقى مفتوحة حتى لحظة توجهه إلى صندوق الاقتراع تماماً مثلما ستبقى احتمالات التحالفات الانتخابية مفتوحة بعد ظهور نتائج الاقتراع.

من جهته يتطرق الباحث في الشأن السياسي، إدريس الكنبوري، إلى الأجواء الباردة التي تهيمن على الانتخابات الحالية، معرباً عن اعتقاده بوجود حالة من الإحباط من العملية السياسية نظراً لأن توقعات وطموحات الشارع كانت مرتفعة، لكن لم تكن الإنجازات منذ انتخابات 2011 وحتى اليوم على قدر هذه التوقعات، لا سيما أن العملية السياسية لا تنتج تحولات سياسية واقتصادية في الوقت الذي تتصدر فيه الأولويات الاقتصادية والاجتماعية هواجس ومطالب المغاربة.

ويتطرق الكنبوري إلى العملية السياسية المغربية، قائلاً إنه يوجد فيها شقان: الأول منطق الدولة والثاني المنطق الانتخابي. ويشرح وجهة نظره بقوله أحياناً يوجد بينهما جفاء أي لا يتوازيان. ويلفت إلى أنه في العام 2011 كان منطق الدولة ينظر بإيجابية إلى وصول حزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الإسلامية، نظراً للاتجاه الذي كان سائداً في الإقليم عقب ثورات الربيع العربي، وبالتالي كانت مشاركة العدالة والتنمية توفر للدولة صورة مشرقة في الخارج، واستقراراً داخليّاً فضلاً عن تغيير في الوجوه السياسية. وبالتالي تماشى منطق الدولة مع المنطق/ الاتجاه الانتخابي بعد تصدر العدالة والتنمية انتخابات 2011.

أما اليوم، ووفقاً للكنبوري، فإن العدالة والتنمية لا يزال لديه تجذر وشعبية خصوصاً أنه تمكن خلال 5 سنوات من صياغة خطاب سياسي شعبوي، استطاع من خلال التغطية على النواقص، التي شابت عمله، إن من خلال وضع اللائمة على إعاقة المضي في الإصلاح على "دوائر التحكم" في الدولة، أو على المعارضة. أما الحسم فسيبقى بيد الناخب المغربي، الذي يحدد اليوم ما إذا كان سيناريو2011 بفوز العدالة والتنمية سيتكرر أم أن البلاد ستشهد مفاجآت جديدة.

المساهمون