24 اغسطس 2024
الذكرى السادسة
أركض ويلاحقني الكثير.. هربت حتى اختبأت في مكان مجهول، وما إن التقطت أنفاسي، حتى وجدت نفسي محاصراً من كل الجهات، وألقي القبض عليّ من جديد. في تلك اللحظة عادت بي ذاكرتي إلى لحظات اعتقالي في 30 أغسطس/ آب 2013 بكل تفاصيلها، ذلك اليوم الذي غير مسار حياتي، وما زلت أدفع ضريبة إيماني بأفكاري وقته.. استيقظت مفزوعاً من أضغاث أحلامي المتكررة دوماً، مع كل ذكرى سنوية لاعتقالي. وما الأضغاث عن الواقع ببعيدة.
منذ عدة أيام انتشرت رسالة من أحد السجون المصرية على حد قول من تداولوها، وفحوى الرسالة أن مجموعة لا بأس بها تريد التفاوض مع النظام، ومجمل الرسالة يدل على قهر من كتبوها..
أعرف السجن جيداً، وأدرك جيداً معنى أن تسلب حريتك وأن تصبح رقماً ضمن آلاف الأرقام، وفوق كل هذا لا تعامل كأنك أحد أبناء هذه الوطن بل تعامل كأنك أسير حرب، بل أظن أن أسرى الحرب لا يجدون كل هذا العناء!
أذكر في أحد أيام الصيف، كاد الحر يقتلنا، وأرى السادية في عيون ضباط الشرطة عندما كانوا يغلقون كافة منافذ الهواء ويقطعون الكهرباء عن تلك الزنزانة اللعينة التي يكتظ بها عشرات الناس، ليس هذا فقط.. ففي الشتاء كان يتم فتح جميع المنافذ لكي يدخل الهواء ويؤرق ليل المعتقلين، فضلاً عن حفلات التعذيب بدون أي مبرر، فهو لا يريد معلومة لكنها رغبة السادية!
لا أعرف من أين اكتسبوا تلك السادية المفرطة.. ولست ممن يطالبون بتعديل ظروف الاحتجاز، فالتعبير والاحتجاج السلمي ليسا جريمتين يعاقب عليهما القانون، لكن الجريمة الحقيقة هي وجود تلك الأرواح البريئة خلف تلك الأسوار بدون أي وجه حق. لكن السؤال الذي ظل يطاردني. ماذا لو كنت أنا واحداً ممن كتبوا هذه الرسالة من داخل محبسهم؟ ماذا لو ظللت أنا في السجن إلى يومنا هذا؟!
بين التسليم والصمود، إن رفع المعتقلون والمعارضة المصرية بالداخل والخارج الراية البيضاء لن يتركهم النظام المصري، وإن استمروا في نضالهم والتمسك بمبادئ ثورتهم لن ينجوا بأنفسهم أيضاً.. إنها معادلة في غاية التعقيد والسوء، وهناك الكثير من الأرواح التي أنهكها الأسر ولا حيلة بأيدينا غير الانتظار.
ومن يحاول أن يسوق نفسه على أنه يملك مفاتيح الحل أو يملك رؤيا أو مساراً، هو مجرد بائع للوهم، وما أكثر بائعي الوهم بيننا! أتعجب ممن يهتف "لا تظن السجن قهراً رب سجن قاد نصراً" فأي نصر سيأتي، وأنت مكبل فاقد الحرية؟ ربما تعول على حدوث معجزة، ولا حرج على من يحلم بذلك ويتضرع به، لكن السجن هو القهر بعينه..
منذ عدة أيام انتشرت رسالة من أحد السجون المصرية على حد قول من تداولوها، وفحوى الرسالة أن مجموعة لا بأس بها تريد التفاوض مع النظام، ومجمل الرسالة يدل على قهر من كتبوها..
أعرف السجن جيداً، وأدرك جيداً معنى أن تسلب حريتك وأن تصبح رقماً ضمن آلاف الأرقام، وفوق كل هذا لا تعامل كأنك أحد أبناء هذه الوطن بل تعامل كأنك أسير حرب، بل أظن أن أسرى الحرب لا يجدون كل هذا العناء!
أذكر في أحد أيام الصيف، كاد الحر يقتلنا، وأرى السادية في عيون ضباط الشرطة عندما كانوا يغلقون كافة منافذ الهواء ويقطعون الكهرباء عن تلك الزنزانة اللعينة التي يكتظ بها عشرات الناس، ليس هذا فقط.. ففي الشتاء كان يتم فتح جميع المنافذ لكي يدخل الهواء ويؤرق ليل المعتقلين، فضلاً عن حفلات التعذيب بدون أي مبرر، فهو لا يريد معلومة لكنها رغبة السادية!
لا أعرف من أين اكتسبوا تلك السادية المفرطة.. ولست ممن يطالبون بتعديل ظروف الاحتجاز، فالتعبير والاحتجاج السلمي ليسا جريمتين يعاقب عليهما القانون، لكن الجريمة الحقيقة هي وجود تلك الأرواح البريئة خلف تلك الأسوار بدون أي وجه حق. لكن السؤال الذي ظل يطاردني. ماذا لو كنت أنا واحداً ممن كتبوا هذه الرسالة من داخل محبسهم؟ ماذا لو ظللت أنا في السجن إلى يومنا هذا؟!
بين التسليم والصمود، إن رفع المعتقلون والمعارضة المصرية بالداخل والخارج الراية البيضاء لن يتركهم النظام المصري، وإن استمروا في نضالهم والتمسك بمبادئ ثورتهم لن ينجوا بأنفسهم أيضاً.. إنها معادلة في غاية التعقيد والسوء، وهناك الكثير من الأرواح التي أنهكها الأسر ولا حيلة بأيدينا غير الانتظار.
ومن يحاول أن يسوق نفسه على أنه يملك مفاتيح الحل أو يملك رؤيا أو مساراً، هو مجرد بائع للوهم، وما أكثر بائعي الوهم بيننا! أتعجب ممن يهتف "لا تظن السجن قهراً رب سجن قاد نصراً" فأي نصر سيأتي، وأنت مكبل فاقد الحرية؟ ربما تعول على حدوث معجزة، ولا حرج على من يحلم بذلك ويتضرع به، لكن السجن هو القهر بعينه..