04 نوفمبر 2024
الدستور... ثورة الأسد على "المعارضة"
يصف كل من المجتمع الدولي، ممثلاً بمبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، وروسيا تشكيل لجنة دستورية مختلطة بالخطوة الحاسمة على طريق إطلاق حل العملية السياسية في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254، على الرغم من أن تشكيل اللجنة في القرار المذكور يأتي نتيجة عملية انتقال سياسي في غضون ستة أشهر (من تاريخ استصدار القرار في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015) الذي نصّ على: "قيام حكم ذي مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً، وعملية صياغة دستور جديد"، إلا أن المجتمع الدولي الذي يردّد، في كل اجتماع، ضرورة تنفيذ القرار تجاهل كل ما جاء به، مكتفياً بتنفيذ بند واحد، هو جمع منصّات "معارضة" متناقضة في أجندتها ورؤيتها تحت اسم وفد التفاوض، وتشكيل لجنة دستورية لا تزال مهمتها وآليات عملها حسب المعارضة ذاتها غامضة، وغير معلومة لهم.
وتجمع اللجنة بين ممثلين عن النظام السوري، وأسماء من كيانات المعارضة، وممثلين عن المجتمع المدني، من دون تحديد حتى اللحظة للمهمة الفعلية المناطة بها، وضوابط عملها، وآليات قراراتها، والأهم الفترة الزمنية التي ستعمل خلالها، والجهة المعنية بتحويل ما يخرج عنها من قراراتٍ أو مشاريع قرارات إلى عملٍ ينتج عنه عملية "سياسية" شاملة، في ظل وجود أكثر من 17 قراراً أممياً وبيانات دولية، عجزت كل الدول، والأمم المتحدة، عن تحويلها من قرارات على الورق إلى مساراتٍ عملية على الأرض، ومنها ما يتعلّق بأولويات حقيقية سورية، مثل وقف إطلاق النار والسماح للمساعدات الفورية والإنسانية بالوصول إلى المحتاجين وإطلاق سراح المعتقلين، ما يعني أننا نخوض معركة وهمية للدخول في معركة جدلية، اسمها
اللجنة الدستورية، تجمع بين وفود يمثل كل منها جهته التي يدافع عنها ومن أجلها.
وبينما يشكّل وفد النظام الأغلبية العددية في تلك اللجنة، إذ حصّته العلنية ثلث اللجنة (خمسون عضواً)، وضع النظام السوري أسماءها بكامل إرادته، وضمن ما يمكن تسميته أنهم كتلة واحدة، ينطقون جميعهم بلسان واحد، ويدافعون عن مشروع واحد، ويصوّتون داخل اللجنة على القرار نفسه، من دون أي شكوكٍ في خلافات أو وجهات نظر متباينة، إضافة إلى ما يمكن أن نسميها حصته من الأسماء في الثلث المخصص للمجتمع المدني (خمسون عضواً). وتعد المعركة الدبلوماسية التي خاضها النظام ضد الأسماء الستة المرفوضة منه، والتي بقيت عصيةً على الحل أكثر من عام كامل، مثالاً توضيحياً لما تعنيه هذه اللجنة له في مضمون عملها وآلياته التي لا تزال المعارضة لا تعرف عنها أي شيء، فيما هو يستعد لكل السيناريوهات، ويضع لها ما يناسب من إمكانات، للحفاظ على أن تكون كلمته داخلها هي الكلمة الفصل، سواء بالتصويت أو التعطيل.
وإذا تجاهلنا تصريحات النظام وادعاءاته عن حضوره الفاعل في كيانات المعارضة ذاتها، ما يعني وجود أسماء تمثل رؤيته، أو تساندها، داخل شق اللجنة المحسوبة على المعارضة، فإن ما يمثله وفدها في اللجنة، والمكون من "منصات وفد التفاوض المنبثق عن مؤتمر الرياض 2"، وما يدور بين هذه المنصّات من حرب بياناتٍ تدحض بل وتنفي اتفاقها في أساسيات العمل الثوري وضروراته، فإننا أمام لجنةٍ دستوريةٍ، ثلثها "المعارضاتي" مختلف فيما بينه علناً، إذ تقول منصّة موسكو في بيان صدر عنها في 20 يونيو/ حزيران 2019، رداً على مؤتمر صحافي لرئيس الهيئة العليا للتفاوض، نصر الحريري، في ختام اجتماع دوري للهيئة في
الرياض: "بات من المعلوم أن سلوك الهيئة والمواقف التي تصدرها، وبشكل خاص مواقف رئيسها، لا تمثل بأي شكل من الأشكال رؤية ومواقف منصة موسكو". وبينما ترى هذه المنصة أن الهيئة تضم متشدّدين، يمثلون وجهة النظر الأميركية، فإنها تطرح نفسها في البيان نفسه مدافعاً عن حصة روسيا، وحتى إيران، في الحل السوري. بل وتعتبر منصة موسكو "أن ارتفاع مستوى سذاجة الطروحات السياسية التي يلقيها المتشددون، سواء في مواقفهم المعادية لأستانة أو مواقفهم من مسائل إعادة الإعمار والعقوبات واللاجئين والملف السياسي عموماً، وبشكل خاص طبيعة الاصطفاف الدولي ضمن القسم الفاشي من المعسكر الغربي، وبشكل سافر وعلني يشير، ضمناً إلى حجم المأزق الذي يعيشه المتشددون، ويشير إلى أن عملية عزلهم وخروجهم من أي عملية سياسية باتت أقرب من أي وقت مضى".
ويعني هذا أن ثلث اللجنة المحسوبة على المعارضة، والمشكلة من منصات وفد التفاوض (الرياض 2)، تعيش حالة تفكّك في رؤيتها إلى كل المسائل المتعلقة بالعملية السياسية، بل وهناك طرفٌ يبشّر طرفاً آخر أنهم يقتربون من الخروج الكامل من المشهد السياسي، ما يجعل الذهاب إلى لجنةٍ دستورية، في واقع "المعارضة" الحالي وخلافاتها في الرؤية والهدف والمشروع الوطني برمته، انتصاراً لإرادة النظام السوري، حيث يشكل الكتلة المتماسكة الوحيدة داخلها، فضلاً عن وجود خبراء في وفده، عاشوا تجربة صياغة دستور 2012، ويعرفون خباياه ونقاط قوته التي سيدافعون عنها لحماية رأس النظام، قبل حماية النظام ذاته، وهو ما يفسّر محاولة إبعاده أسماء شخصيات مستقلة خرجت عن طاعته إلى طاعة "وطنيتها" فقط، وليس لتنضم تحت جناح أيٍّ من منصات معارضاته التي لم يخش منها أي اسم، ويسر تداول
أسمائها وأبقاها بعيدةً حتى عن متناول إعلامه.
ربما من المفيد التذكير أن النظام، منذ بدء ملامح الثورة، لم يتأخر في رمي سلة التعديلات الدستورية أمام السوريين، بل وسار في هذا الأمر منفرداً، أي أنه أراد أن ينقلب على الثورة بإجراءاتٍ داخلية مسيطر عليها، ومنها إلغاء المادة الثامنة من دستوره النافذ والمعمول به منذ 13 مارس/ آذار 1973، أي أن ما جرّ النظام إليه المعارضة، بعد ثمانية أعوام من الثورة وتضحيات كبيرة من السوريين، وصلت إلى أكثر من مليون شهيد، ومثلهم من مصابي الحرب، وتشريد نصف سكانه بين لاجئ ونازح، هو الطريق نفسه الذي اعتمده منذ بداية الثورة، وأعلن عن موافقته عليه، وترجمه بدستور 2012، ما يعني أن الأسد نجح في ثورته على المعارضة. وفي أي اتجاه سارت عملية التعديلات الدستورية المرتقبة، سيكون المنتصر الوحيد داخل اللجنة، وعبر أعضائها، ما لم يستطع كل المحسوبين على المعارضة فصل السلطات، ووضع حد للنظام الرئاسي المعمول به حالياً، والانتقال إلى نظام برلماني، يتيح مشاركة كل الأطياف السورية (عرب وكرد وشركس وأرمن وتركمان وسريان وآشور، وغيرهم)، وتتويج ذلك ببندٍ واضح في الدستور يقرّر: أن كل من تولّى رئاسة سورية لولايتين، قبل الثورة أو بعدها، هو خارج سياق التنافس على منصب الرئاسة في "سورية ما بعد الحرب"، لأن سورية ما بعد الثورة في ظل ممثلي المعارضة الحالية أصبحت ضرباً من الماضي ليس إلا.
وبينما يشكّل وفد النظام الأغلبية العددية في تلك اللجنة، إذ حصّته العلنية ثلث اللجنة (خمسون عضواً)، وضع النظام السوري أسماءها بكامل إرادته، وضمن ما يمكن تسميته أنهم كتلة واحدة، ينطقون جميعهم بلسان واحد، ويدافعون عن مشروع واحد، ويصوّتون داخل اللجنة على القرار نفسه، من دون أي شكوكٍ في خلافات أو وجهات نظر متباينة، إضافة إلى ما يمكن أن نسميها حصته من الأسماء في الثلث المخصص للمجتمع المدني (خمسون عضواً). وتعد المعركة الدبلوماسية التي خاضها النظام ضد الأسماء الستة المرفوضة منه، والتي بقيت عصيةً على الحل أكثر من عام كامل، مثالاً توضيحياً لما تعنيه هذه اللجنة له في مضمون عملها وآلياته التي لا تزال المعارضة لا تعرف عنها أي شيء، فيما هو يستعد لكل السيناريوهات، ويضع لها ما يناسب من إمكانات، للحفاظ على أن تكون كلمته داخلها هي الكلمة الفصل، سواء بالتصويت أو التعطيل.
وإذا تجاهلنا تصريحات النظام وادعاءاته عن حضوره الفاعل في كيانات المعارضة ذاتها، ما يعني وجود أسماء تمثل رؤيته، أو تساندها، داخل شق اللجنة المحسوبة على المعارضة، فإن ما يمثله وفدها في اللجنة، والمكون من "منصات وفد التفاوض المنبثق عن مؤتمر الرياض 2"، وما يدور بين هذه المنصّات من حرب بياناتٍ تدحض بل وتنفي اتفاقها في أساسيات العمل الثوري وضروراته، فإننا أمام لجنةٍ دستوريةٍ، ثلثها "المعارضاتي" مختلف فيما بينه علناً، إذ تقول منصّة موسكو في بيان صدر عنها في 20 يونيو/ حزيران 2019، رداً على مؤتمر صحافي لرئيس الهيئة العليا للتفاوض، نصر الحريري، في ختام اجتماع دوري للهيئة في
ويعني هذا أن ثلث اللجنة المحسوبة على المعارضة، والمشكلة من منصات وفد التفاوض (الرياض 2)، تعيش حالة تفكّك في رؤيتها إلى كل المسائل المتعلقة بالعملية السياسية، بل وهناك طرفٌ يبشّر طرفاً آخر أنهم يقتربون من الخروج الكامل من المشهد السياسي، ما يجعل الذهاب إلى لجنةٍ دستورية، في واقع "المعارضة" الحالي وخلافاتها في الرؤية والهدف والمشروع الوطني برمته، انتصاراً لإرادة النظام السوري، حيث يشكل الكتلة المتماسكة الوحيدة داخلها، فضلاً عن وجود خبراء في وفده، عاشوا تجربة صياغة دستور 2012، ويعرفون خباياه ونقاط قوته التي سيدافعون عنها لحماية رأس النظام، قبل حماية النظام ذاته، وهو ما يفسّر محاولة إبعاده أسماء شخصيات مستقلة خرجت عن طاعته إلى طاعة "وطنيتها" فقط، وليس لتنضم تحت جناح أيٍّ من منصات معارضاته التي لم يخش منها أي اسم، ويسر تداول
ربما من المفيد التذكير أن النظام، منذ بدء ملامح الثورة، لم يتأخر في رمي سلة التعديلات الدستورية أمام السوريين، بل وسار في هذا الأمر منفرداً، أي أنه أراد أن ينقلب على الثورة بإجراءاتٍ داخلية مسيطر عليها، ومنها إلغاء المادة الثامنة من دستوره النافذ والمعمول به منذ 13 مارس/ آذار 1973، أي أن ما جرّ النظام إليه المعارضة، بعد ثمانية أعوام من الثورة وتضحيات كبيرة من السوريين، وصلت إلى أكثر من مليون شهيد، ومثلهم من مصابي الحرب، وتشريد نصف سكانه بين لاجئ ونازح، هو الطريق نفسه الذي اعتمده منذ بداية الثورة، وأعلن عن موافقته عليه، وترجمه بدستور 2012، ما يعني أن الأسد نجح في ثورته على المعارضة. وفي أي اتجاه سارت عملية التعديلات الدستورية المرتقبة، سيكون المنتصر الوحيد داخل اللجنة، وعبر أعضائها، ما لم يستطع كل المحسوبين على المعارضة فصل السلطات، ووضع حد للنظام الرئاسي المعمول به حالياً، والانتقال إلى نظام برلماني، يتيح مشاركة كل الأطياف السورية (عرب وكرد وشركس وأرمن وتركمان وسريان وآشور، وغيرهم)، وتتويج ذلك ببندٍ واضح في الدستور يقرّر: أن كل من تولّى رئاسة سورية لولايتين، قبل الثورة أو بعدها، هو خارج سياق التنافس على منصب الرئاسة في "سورية ما بعد الحرب"، لأن سورية ما بعد الثورة في ظل ممثلي المعارضة الحالية أصبحت ضرباً من الماضي ليس إلا.