الدحيّة الفلسطينية: أكثر من رقصة

25 أكتوبر 2017
رقصة الدحية (يوتيوب)
+ الخط -
التراث الفلسطيني غنيّ بالدبكات والرقصات الشعبيّة، ومنها رقصة "الدحيّة"، وهي نوع من أنواع التراث الشعبي الفلسطيني التي يشارك فيها شاعر واحد وأحياناً شاعران، خاصة إذا كانت هناك مبارزة بينهما.
كانت رقصة الدحيّة قديماً تُمارس قبل الحروب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وكذلك بعد انتهاء المعارك، حيث يتم وصف بطولات المعركة، إلى أن صارت بعد ذلك تُمارس في المناسبات والأعراس والاحتفالات.
لقد انقرضت العديد من العادات والتقاليد والموروثات، ولكن منها ما بقي متأصلاً حتى الآن، وبعضها الآخر يتم إحياؤه شيئا فشيئا، خوفاً من ضياعه، لما يحمله من لمسات جمالية وروح أصيلة ليس من السهل التخلي عنها. منها الدحيّة التي تعتبر رقصة بدويّة قديمة. والكلمات والعبارات التي تُردّد خلال الرقصة قد لا تكون مفهومة عند البعض، خاصة الذين لم يعيشوا حياة البداوة. واجتاحت "الدحيّة" البدوية، في الآونة الأخيرة، الأفراح والمناسبات في قطاع غزة، وصارت بعض المحلات والسائقين والباعة يشغّلون مكبرات الأصوات بها لجلب الزبائن والمواطنين وجذب انتباههم تجاه البضائع والسلع. ورغم أنها موروث شعبي قديم إلا أنها انتشرت بسبب التحديثات التي أدخلها بعض الشباب البدوي عليها، فصارت فناً تراثياً يربط بين القديم والمعاصر، وانتشرت الفرق الحديثة التي تؤدي الدحيّة، وكثر إقبال المتزوجين الجدد عليها، لأنها تقدّم الألوان الشعبية التراثية المرتبطة بالأصالة، كما أن تكلفتها الماديّة أقل من الفرق التي يُشارك فيها فنانون كبار.
الدحيّة تُؤدَى بشكل جماعي من خلال اصطفاف الرجال في صف واحد أو صفين متقابلين، ويغني شخص أو اثنان بكلمات بدوية تراثية، فيما يصفق الرجال بجانبه، ويردد الصفان بالتناوب الردادة، أي البيت المتفق عليه سلفاً، بالتدرج بين كل بيت شعر يلقيه الشاعر، وتُؤدى بأسلوب قصصي، هو جوهر ما تم الاجتماع عليه كموضوع قصصي لمعركة ما أو وصف لديار أو هجاء أو مدح. ويستعمل التصفيق كلون إيقاعي، وهي تتميز بالحماس في الأداء الحركي.
شهدت الأفراح في فلسطين، في الآونة الأخيرة، اختلافاً في طريقة الاحتفال، وفي الأنغام المتعارف عليها في الحفلات والأفراح، حيث اجتاحت الدحيّة البدوية هذه الأفراح، وأصبح لا يمر فرح أو مناسبة إلا وكانت الدحيّة حاضرة، وهذا يدل على التمسك بالتراث والأصالة مع بعض الإضافات الحديثة، خاصة من ناحية الآلات الموسيقية التي لم تكن موجودة سابقاً، وهي ما أدى إلى المزج بين القديم والحديث في أنغام رقصة الدحية.
وتشهد حفلات الدبكة والدحية إقبالا كبيرا من المواطنين، لمشاهدة تراث فلسطيني تعوّدوا على مشاهدته في مثل هذه المناسبات، في صورة تعكس تعلق الفلسطيني بتراثه وأرضه ووطنه.
وكانت الدبكة قبل الاحتلال تأخذ طابع المناسبات، وبعد نكبة عام 1948 أخذت الدبكة شكلا من أشكال النضال، وحُمل هذا التراث إلى المحافل الدولية والعالم، وتعمل فرق عدّة على عروض محلية ودولية لنشر هذا التراث.
ظهرت في فلسطين مؤخراً فرق موسيقيّة عدّة تؤدي أغاني الدحيّة بأسلوب جديد يعتمد على الموسيقى، كما ظهرت مغنيّة فلسطينية بدوية من شمال فلسطين تؤدي هذا النوع من التراث في الحفلات.
ولا تخلو حفلات الدحيّة من الموضوعات السياسية والاجتماعية، خاصة القضايا الفلسطينية، مثل قضية الأسرى والقدس، الأمر الذي أدى إلى إقبال شريحة كبيرة على هذا الفن والتعامل معه، لأنه من الحياة اليوميّة لأبناء الشعب الفلسطيني. كما أن الفلسطينيين يحرصون على توريث تراثهم الشعبي من جيل إلى آخر، خوفا عليه من الطمس والضياع، وحفاظا على هويتهم من الاندثار.

المساهمون