تعمل الدبلوماسية المغربية وفق مسارات ومداخل عديدة، تُحدد أطرها شخصيات رئيسية، تؤثر في توجّهات السياسة الخارجية للمملكة. فبالإضافة إلى وزارة الخارجية، يؤدي ما يسمى "المُرَبع الملكي"، دوراً بارزاً في الدبلوماسية المغربية، علاوة على جهاز الاستخبارات الخارجية.
ويمكن التمييز بين مرحلتين فارقتين في مسار السياسة الخارجية للمغرب، ارتبطت الأولى بالملك الراحل الحسن الثاني، الذي كانت الدبلوماسية في عهده محفوظة للمؤسسة الملكية بامتياز، وبين عهد الملك الحالي محمد السادس، الذي شهدت الدبلوماسية المغربية خلال عهده تغيّرات ملموسة.
ويُقصَد بـ "المُرَبع الملكي"، العاهل المغربي نفسه، بصفته رئيس الدولة والقائم بشؤونها والمحافظ على سيادتها، وفق دستور البلاد، بالإضافة إلى فريقه من المستشارين الرسميين وغير الرسميين. ويُعتبر الطيب الفاسي الفهري، من أبرز مستشاري الملك، وكان وزيراً للخارجية في الحكومة السابقة، قبل "الربيع العربي".
وإلى جانب الفهري، تؤدي ابنة عم الملك، سفيرة المغرب في بريطانيا، لالة جمالة العلوي، دوراً استشارياً بارزاً، تماماً كإخوة الملك. ويمكن للمتتبع لدور المؤسسة الملكية في دبلوماسية البلاد، منذ استقلال المغرب إلى اليوم، أن يسجّل بسهولة التمايز بين مرحلتين، مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يعتبر السياسة الخارجية مجاله المفضل، ومماثلة لأدوار وزارتي الدفاع والداخلية، وعمل على إيلاء منصب وزير الخارجية لشخصيات تكنوقراطية ومن دون انتماء حزبي، من أجل إبعاد تأثير المرجعيات الحزبية عن السياسة الخارجية للمملكة.
لم تعد الخارجية "وزارة سيادة" في عهد الملك الحالي، فرياح "الربيع العربي"، جاءت بوزير خارجية ينتمي إلى حزب "العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، وتلاه وزير من حزب "الأحرار"، صلاح الدين مزوار.
وبعد أن كانت السياسة الخارجية في زمن ملك المغرب الراحل تتسم بالتدرج، وتمنح الأولوية لدول الجوار المغاربي، وتليها البلدان العربية، ثم الدول الأفريقية، فإن السياسة الخارجية الحالية تحاول توزيع اهتماماتها على كل هذه المناطق، مع منح الأولوية للقارة السمراء.
وتنسج وزارة الشؤون الخارجية خيوط الدبلوماسية المغربية، من دون أن تتجاوز دبلوماسية القصر، تحديداً في القضايا الكبرى، كملف النزاع حول الصحراء الغربية، والجوار مع الجزائر، والعلاقات مع القوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
ويرتكز برنامج وزارة الخارجية، وفق مخططها الدبلوماسي الحالي، على "الدفاع عن قضية الصحراء، والترويج للنموذج المغربي، والتعريف بالإصلاحات الكبرى التي ينخرط فيها المغرب في العديد من الميادين، مع إبراز خصائص الهوية المغربية".
وتحاول الوزارة التنويع في دبلوماسيتها، وتولي الأهمية للدبلوماسية الاقتصادية، التي تستقطب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، كما تعزز الدبلوماسية الثقافية التي تدعم الدفاع عن المصالح العليا للبلاد. وإذا كان الوجه المكشوف في السياسة الخارجية المغربية يمثله المربع الملكي، ووزارة الخارجية، فإن الوجه الذي يظل مبهماً بالنسبة للكثيرين يتمثل في إدارة تدعى "المديرية العامة للدراسات والمستندات"، والتي يسميها المغاربة اختصاراً بـ "جهاز الاستخبارات الخارجية".
وبعد أن كانت شخصيات عسكرية تدير الجهاز لسنوات عدة، فإنه بات منذ سنة 2005 في عهدة أحد أقرب أصدقاء العاهل المغربي، محمد ياسين المنصوري، الذي يصفه الكثيرون بأحد أقوى رجال المملكة، وأكثرهم كتماناً، وأقلّهم ظهوراً في الإعلام.
ويرفد الجهاز دبلوماسية القصر بالمعلومات التي تُتيح لها، رسم خريطة تعاطيها مع الدول الأجنبية، ومن أولوياته، العمل على ملف الصحراء، تحديداً استيلاد "لوبي" في الدول القوية، خصوصاً في الولايات المتحدة، من أجل تأمين الدعم للرباط عبر التأثير على أصحاب القرار فيها.