الخوذات البيضاء.. المهنة إنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض

06 أكتوبر 2016
يغامرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين (فيسبوك)
+ الخط -
يندفعون من مراكزهم إلى أماكن القصف، التي تطاول كل مكان في سورية منذ قرابة ستة أعوام، معتمدين على الحاسة السادسة التي لا تترك أي مجال للخوف من الموت، فهدفهم الوحيد هو إنقاذ حياة إنسان يواجه الموت إما اختناقاً أو إصابة أو تحت الأنقاض، ما يجعلهم الهدف الأكثر شهية لنظام الأسد وحلفائه الروس، وبالرغم من ذلك لم تقتل نيران النابالم أو القنابل العنقودية إنسانيتهم.

ولأن الخوذة البيضاء لم تحم يوماً أصحابها من جرائم الحرب التي ترتكب في سورية على مدار الساعة، دفع حوالي 141 متطوعاً منهم حياتهم في أرجاء المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ثمن عمله، بعد أن قدّموا خدماتهم العامة لقرابة 7 ملايين شخص، وأنقذوا أكثر من 60 ألفاً من تحت الأنقاض، بحسب تصريح رائد الصالح، رئيس الخوذ البيضاء للدفاع المدني السوري.

"أن أكون من أصحاب الخوذات البيضاء لإنقاذ العالم من تحت الأنقاض وإسعافهم، هي متعتي في الحياة"، هذه الجملة التي بدأ بها محمود آدم، الناطق باسم الدفاع المدني في ريف دمشق، حديثه إلى "العربي الجديد".

وتابع محمود آدم قائلا: "كان عملي في تصميم القوالب المعدنية قبل انطلاق الثورة في مارس/ آذار 2011، ولكن بعد اشتداد القبضة العسكرية والتشريد والترحيل والاعتقال والموت من قبل النظام، لم يكن أمامي إلا اختيار طريق الدفاع المدني لحماية الإنسان المنتهكة حقوقه، وإنقاذ حياة الأبرياء، بما أعطاني الله من قوة".


بين سياج رقعة جغرافية محاصرة، يربون الأمل، يحملقون في ساعات النصر، يسهرون كلما سهر أعداؤهم ليطفئوا نار الحقد وقصف النظام السوري على مدنيين لا حول لهم ولا قوة، من دون أن يميزوا بين ليل أو نهار، وفي الوقت الذي يكون الجميع في حلكة الأقبية تجد عناصر الدفاع يتصدرون الموقف ويواجهون الموت لإخراج ذاك الطفل من تحت الأنقاض أو نقل امرأة حامل إلى مشفى لتضميد الجراح، أو إطفاء حريق في منازل الثكلى والأيتام.

أصحاب الخوذ البيضاء لم يتّبعوا ذات يوم فصيلاً ولم يحملوا سلاحاً أو يواجهوا أحداً إلا بعمل إنساني أتقنوه وأحبوه بقلوبهم قبل عقولهم.

ويقول آدم، وهو من أبناء مدينة دوما في الغوطة الشرقية، "عندما تحب عملا معيناً، فهذا يعطيك حافزا إضافيا لتتألق فيه، فكيف إذا كان العمل إنسانياً يقوم به مجموعة من الشباب بمختلف الاختصاصات لمساعدة الناس بكافة أعمارهم"، واصفاً عملهم اليومي بأنه "أشبه بولادة حياة جديدة لكل عنصر منا"، فالأراضي المستهدفة من قبل قوات النظام وحليفه الروسي زادت في الآونة الأخيرة على الشعب الأعزل، وبات المواطن السوري في المناطق المحررة هدفاً محتوماً للطائرات والقذائف التي تستهدف بشكل ممنهج البيوت السكنية والأسواق المكتظة بالناس، وفق قوله.

الناطق باسم الدفاع المدني في ريف دمشق


وأكّد محمود آدم أنّ جميع من يخرجهم أصحاب الخوذات البيضاء من تحت الأنقاض هم من المدنيين، مشدداً على أنه لا يوجد أي نقاط عسكرية في المناطق المستهدفة على الإطلاق، والنظام يدعي وجود مسلحين ويستخدم ذلك ذريعة للقصف.

ويوضح الشاب ذو 29 عاماً، بأن "أصحاب الخوذات البيضاء كيان مستقل يعمل بحيادية في جميع المناطق السورية من شمالها وحتى جنوبها".

يقيس أصحاب الخوذات البيضاء المسافات بين أشلاء الضحايا ومراكزهم بالحاسة السادسة، يتهيؤون في كل دقيقة، في الليل قبل النهار لأي عملية إسعاف قد تكون نهايتها فقدان أرواحهم، ويواجهون الحصار بأدوات بسيطة يستخدمونها، ويقفون على مرتفعات الدخان والنار ليطفؤوها بالماء والتراب، فلا وقت للترنح حزناً بعد مضي أعوام على حصار بعض المناطق، وقد تكون الأساطير التي سمعنا عنها في قصص أجدادنا تتجسد بعزيمة عناصر الدفاع المدني في سورية.

"يزداد ضغط العمل على رجال الدفاع المدني أثناء القصف، حتى إننا نبقى أحيانا 16 ساعة لنبحث عن الناجين من الأطفال والنساء والشيوخ"، هي جملة بعثرها آدم، بعد همهمات وحزن بدا في صوته، متابعاً "في بعض الأحيان لا يمكن أن نسعف كل المناطق المقصوفة فنطلب العون من المراكز القريبة منا".

قد تنتهي الحرب ولا يتذكرُ الرضيعُ زمن الحصار، لكن  أصحاب الخوذات البيضاء لن ينسوا عملهم في مناطق تجاوز الحصار فيها حصار الغذاء والشراب إلى حصار المرض والإسعاف، وهذا ما قاله آدم في روايته "الأصعب من العمل لدينا، هو أننا لا نملك المقومات والأدوات اللازمة للتعامل مع القصف العنيف ضد المدنيين، فمثلاً قمنا بإنقاذ الكثير من الأطفال والمدنيين من تحت الأنقاض بواسطة الشاكوش والمطرقة التي لا نملك غيرهما من دون آلة ثقيلة مخصصة لهذا العمل، وليس لدينا قدرة على إدخال الآلات والإمكانات اللازمة لرفع الأنقاض والإسعافات إلى المناطق المحاصرة".

وأبدى آدم حزنه على أهالي الغوطة الغربية المجاورة للشرقية، التي استهدفها النظام بآلاف البراميل المتفجرة والنابالم.