الخلاص

23 ابريل 2015
+ الخط -

كان التوتر يطبع بصماته جلية للعيان على وجهها الذي امتلأ بالتجاعيد.. تجاعيد عميقة اشترك الزمن مع قسوة الظروف في نحتها! وكانت تبدو في هذه الملابس الرثة كلوحة مجسمة للأسى والشقاء كفيلة بإثارة حفيظة أي أديب أو فنان..

أخذت تنظر إليه برعب شديد؛ وهو يقترب منها ببطء بدا لها متعمدا.. دقات قلبها تتصاعد في تسارع ولعابها يجف تدريجيا حتى خُيِّل إليها أنها على وشك الإغماء.. جالت بعينيها سريعا في وجوه المحيطين بها علها تجد من بينهم من تتوسم فيه القدرة على تخليصها من بين براثنه، فلم تجد؛ فهم جميعا ما بين نائم أو متشاغل بالتحديق في اللاشيء، أو من هم على شاكلتها وربما أسوأ!

عادت بنظراتها اليائسة لتصطدم بنظراته الساخرة القاسية المقيتة وكأنه يقول لها: أنا قادم من أجلك. أو هكذا خيل إليها! خفضت عينيها تحدق في موطئ قدميها؛ وهي ترتجف وتدعو الله أن ينجيها من هذا الموقف العصيب.. انتبهت يى هذه اللحظة فقط إلى تلك الفتاة الرقيقة التي تجلس على المقعد المجاور لها مباشرة.. كيف لم تنتبه إليها قبل الآن؟ لا بد أن السبب يرجع إلى حالتها التي يرثى لها! تعلقت نظراتها بها بكل أمل.. إنها من تبحث عنها بكل تأكيد! وأخيرا.. بعد دقائق، بدت لها ساعات طوالا، توقف بجانبها تماما، فشعرت وكأن قلبها توقف عن النبض، أو كأن الزمن هو ما توقف في هذه اللحظة!

سألها بفظاظة وغلظة السؤال الذي تخشاه! فأجابت بهمهمة خفيضة وَلَّدَها الرعب والإحراج لم يسمعها سواها.. فصاح في وجهها بقسوة كي ترفع صوتها قليلا.. قالت له بصوت مرتجف النبرات: لا أملك نقودا! هَمَّ بالصياح في وجهها مرة أخرى بشراسة وربما بالسب واللعن! لولا أن أشارت له الفتاة، التي تلوح الطيبة على محياها الهادئ، والتي تجلس بجوارها في تلك الحافلة العامة أن: توقف!

وأسرعت بدفع ثمن التذكرة وهي تُربِّت على يد السيدة المسكينة بحنان.. نظرت لها البائسة بامتنان شديد.. بعينين مغرورقتين بالدموع.. دموع الراحة والخلاص!

هنا.. نظر لهما المحصِّل بلا مبالاة، ثم أكمل مهمته بآلية وكأن شيئا لم يكن!


(مصر)

المساهمون