الخروج من عباءة الأسد

07 فبراير 2015
+ الخط -
"يراودني الأمل بأننا نقاتل، لكي نبتكر نظاماً جديداً، لا لنحافظ على نظام نعرف جميعا أنه تداعى وانهار". سعد الله ونوس.

تمثل هذه الكلمات حلم الشباب السوري، الراغب في التغيير السياسي في سورية، منذ اليوم الأول للثورة، بعيداً عن الفكر الطائفي. ثمة ارتباط بين فكر النظام السوري وهيكليته الأمنية بالتكوين الطائفي الذي استند عليه، ليستمد وجوده طوال العقود الأربعين من حكمه، والتي شكلت الترس لمواجهة أي تحرك شعبي ضد نظامٍ منهار منذ نشوئه، لأسباب ليس أولها ارتكازه على انقلاب ضد الحياة المدنية في سورية فحسب، بل لما بني عليه نفوذه الهادف إلى غرس بذور الشقاق بين الشعب الواحد، تحت مسمى "القومية، والعلمانية" التي هي أصلاً منه براء.

ابتعاد نظام الأسد عن الواقع، وانفصاله عن الشارع، وصولاً إلى حد استمد به نفوذه من دعمٍ خارجي، وتحت قناع "المقاومة"، والدفاع عن قضايا الأمة العربية، جعل من التوجه نحو الارتباط بالمشاريع والأجندات الخارجية أساساً آخر، لفرض وجوده، لا سيما المشروع "الفارسي"، على الرغم من أن النظامين لا يمكن أن يلتقيا سياسياً، فنظام البعث علماني، بينما الآخر "إسلامي"، مع تحفظي الشخصي.

في المقابل، استطاع الأسد جمع الأقليات السورية بذريعة التخويف من خطر "الإسلام"، عبر تشويهٍ تاريخي لمكانة بعض الأحزاب، مثل "الإخوان المسلمين"، العدو الأول آنذاك للنظام السوري، والتي تعتبر الحجر الأول الذي رمي به نظام الأسد، وخلع يد الطاعة في ثمانينيات القرن الماضي، لتشكل في إثرها مجزرة حماة صورة ماثلة في الأذهان حتى الساعة، تؤكد غوغائية هذا النظام وهمجيته أمام إرادة التغيير، أو على الأقل الرفض.

في مدارسنا، تعلمنا أن "الدين لله والوطن للجميع"، لكن الواقع لم يثبت إلا العكس، إذ إن فرص نجاحك في العمل لا يأتي إلا تحت خانةٍ ترتبط فيها بطائفةٍ بعينها، تورثك مؤهلات الفوز بوظيفة، أو تدخلك في السلك الأمني/المخابرات، ولعلها تزيد من حظوظ نجاحك في دخول السلك العسكري، مع ما تحمله هذه المجالات من ميزاتٍ خاصة.

إعلامياً نجح الأسد في خلق تلك الذهنية المؤهلة لمعاداة أي فكر إسلامي سياسي، يصبو إلى السلطة بالوسائل السلمية، ذلك يبدو واضحاً حين نرجع بالذاكرة إلى خطاب الأسد في مجلس الشعب، إبان اندلاع الثورة السورية، ونعتها بالفتنة الطائفية، وتوجيه أصابع الاتهام لجماعة الإخوان المسلمين، كما نجح  في تسخير الورقة الطائفية لعبةً في حربه السياسية، ممارساً بذلك أقصى درجات الإقصاء بحق السُّنة.

وقبل نهاية العام الماضي، خرج سوريون من نشطاء من الطائفة العلوية على الأسد، تحت شعار "الكرسي إلك والموت لولادنا"، إلا أن ذلك لم يشكل حالة خروج حقيقية من عباءة الأسد، بل حتى الدروز الذين عانوا جور ميليشيات الفرقة الرابعة في مدينة جرمانا القريبة من الغوطة الشرقية، لم تشكل هي الأخرى حالة مبشرة في الانتقال إلى مرحلة جديدة، تؤسس لمشاركة وطنية بين جميع مكونات المجتمع السوري، وتنهي حقبة الدم والاقتتال في البلاد، بل ظلت عاملاً فردياً، لم يلبث أن انتهى من دون نتيجة.

شخصياً، لا أعتقد أن البروباغاندا نجحت في مساعيها، لكنها حققت مكاسب غيرت من مفهوم/ معنى مصطلح "الأقليات" وفق العرف السياسي، والتي هي عكس الأغلبية السياسية المتشكلة وفق قواعد تفرزها صناديق الاقتراع والتحالفات الناشئة بعدها، إلى حالة تكتل وتمترس طائفي، بديل عن المفهوم السياسي القائم على أساس "الأقلية البرلمانية"، وهي أقلية متغيرة، من المفترض أن تثمر تحالفات وتحركات تقود، وتساعد، في توجيه سياسة البلاد، تحت عباءة "المواطنة والشراكة الوطنية".

تتركز، بالتالي، مشكلة الطوائف/الأقليات السورية من خوفٍ مستقبلي، نشأ عن تلك الصورة، وألزمها الدخول في حلفٍ سياسي مع نظام الأسد. أمرٌ منطقي أن تخاف من المجهول. لكن، من غير المنطقي أن تبقى تحترق بنار التفكير به، وأمامك واقعٌ يتحدث عن الفارق بين همجية النظام طوال عقود، وأخطاء الثوار، وحقائق الإسلام السامية.

المواطنة والشراكة في إدارة البلاد هي الفكرة الأولى التي نادت بها الثورة، عبر شعار صدحت به حناجر الشباب في التظاهرات السلمية "الشعب السوري واحد"، في مقابل شعار "الأسد أو لا أحد"، وفرق التركيبة بين الشعارين واضح.
أعتقد أن الانحياز، اليوم، إلى الصف الصحيح، وأعني به إرادة الشعب، بعيداً عن النظرة السطحية للمستقبل، تعني، بالضرورة، الخروج من عباءة الأسد، لتكون بذلك نواةً تؤسس لشراكة وطنية جديدة، تعيد عجلة البناء، بعد أن تُسقط نظام الطاغية.

هذا الخروج تمليه عدة اعتبارات إنسانية وتاريخية، تصب في مصلحة الدولة السورية، وتخلع ذل السنوات الطويلة من الجهل، وتحقق معادلة الشراكة الوطنية والدولة الناجحة، وتعتبر الضامن للمجتمع المدني السوري السليم.

avata
avata
فرات الشامي (سورية)
فرات الشامي (سورية)