الكرامة الضائعة
من الضرورة تقييم مستوى الأداء الثوري، على الأصعدة كافة، ولأن "الكرامة" هي أحد أهم مطالب الثورة، نبحث في الإجابة عنها.
أعتقد أنها، وعلى الرغم من أهميتها، تبقى في إطار الأهداف البعيدة للثورة، فالهدف القريب، ما يزال قائماً، ووجوده يشكل عائقاً أمام تحقيق هذه الغاية، وقد يتوقع بعضهم أني أتحدث عن بقاء رأس النظام في السلطة، وهذا صحيحٌ من جهة، لكن دورنا، كثوار وكأفراد في المجتمع، نسعى نحو التغيير الجذري، لم نصل إلى تلك المرتبة بعد، وغالباً ما نبرر أن الفوضى حالة طبيعية، في مجتمعٍ لم يعرف معنى الحياة المدنية، المقيدة بضوابط الكرامة، واحترام الآخر.
عادات وقيم اجتماعية كثيرة بقيت في دائرة العمل، طوال سنوات الثورة، ولعلها زادت، فالتكتل الأسري، والتغطرس، والاستزلام، ونشوء محسوبيات جديدة، والحديث بمنطق القوة في ما بيننا ساهم في المراوحة بمكاننا وتراجعنا.
الثورة، اليوم، تنتهج فعلياً مسارين للتغيير، وتشهد معركتين، الأولى هدفها إسقاط النظام، والثانية بناء قيم اجتماعية وترسيخها، وفق إطار واضح على الأقل بالنسبة للثوار، أصحاب التوجه الإسلامي.
محاولة تقييم ما أوصلتنا إليه الثورة والحرب في هذا الوقت هو إجحافٌ بحق الثورة، والنظر إلى مآل الأمور قبل انتهائها منطقياً وتاريخياً مرفوض، فالمعركة مستمرة والتقييم مرحلة مبكرة، أما إن أخذ التقييم شكل النقد الذاتي، والبحث في أخطاء ارتكبناها لوضع الحلول الناجعة وعلاجها، فهي حالةٌ صحية، وضرورة، بين حين وحين، بل هي مقدمة لتصويب العمل الثوري، وتصحيح المسار حال انحرافه.
في الوقت الذي يتحدث فيه بعضهم عن أن الثورة خلقت طغاةً، فالكلام غير صائبٍ بالمطلق، وإنما هي إفرازات مرحلة الغربلة وإسقاط الأقنعة، وهي صورة لنفسية المجتمع الذي لم يكسر جميع الحواجز النفسية من خوفٍ وركونٍ إلى الذل للأقوى، فهي حالة اعتيادية، لن تنته بشكلٍ سريع، بل تحتاج مزيداً من الوقت.
إن حاولت رسم ملامح هذه الفترة، فلن أخرج من إطار قوله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"، وفي التفسير أن الفتنة هنا هي الاختبار، وهي سنّة جارية في الناس، وأما من جهةٍ أخرى، فيوضحها قوله تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ"، وهي نتيجة للفتنة والاختبار.
المجتمع السوري يعايش هذه المرحلة، وينتظر ذهاب الزبد، مع فروق بين مدينةٍ وأخرى.
حقيقةً بعد سنواتٍ أربع، نخلص إلى أن النظام لم يسقط، والثورة لم تنتهِ، لكنها، في المقابل، اليوم تتنامى نتيجة الإصرار على متابعة المسير، وتشكل تحولاتها إلى المنحى الإسلامي، أو مخاض التحول إلى هذا الاتجاه، بحسب طبيعة المنطقة، خطراً ليس على الأسد، وإنما على المجتمع الدولي، إذ إن ذاك الأول ما عاد إلا بيدقاً في رقعة شطرنج، تحركه مصالح دولية وأيادٍ خارجية، تحاول الحفاظ عليه ودعمه، خشية الإسلام المتقدم، وقد يقول القائل: ما بال الثوار يسرقون، ولعلهم في تصرفاتهم يماثلون النظام في تصرفاته؟ هؤلاء، كما ذكرنا، استعجلوا الحكم، ووقعوا في فخ التقييم المبكر.
خلاصة القول: الثورة لم تخرج من إطارها الصحيح، والذي خرج هم أفرادٌ شذوا عن القاعدة، واجتالتهم الشياطين.
تبقى الكفة راجحةٌ لصالح النظام، من منظور القوة العسكرية. لكن، على الأرض، مناطق كثيرة جغرافياً هي خارج سيطرته، ومهما حاول فرض الهدن والمصالحات، يبقى وجوده، دولة لها سلطاتها، غير قائم.