أكملت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، أركان انقلابها على الدولة اليمنية، الذي لم يكن ينقصه سوى "إعلان دستوري" أصدرته الجماعة، أمس الجمعة، من داخل القصر الجمهوري، لتنقل البلاد إلى مرحلة جديدة مفتوحة على احتمالات عديدة، ليس أقلها الاقتتال الأهلي والفوضى. اختارت الجماعة حرق المفاوضات السياسية برمتها بحجة تعثرها، والقفز على كافة التوافقات مع القوى الأخرى لتتفرد بالحكم بعد إفراغ الدولة من جميع مؤسساتها، عقب حل البرلمان واستبداله بمجلس وطني بقوام 551 عضواً، ينتخب بدوره مجلساً رئاسياً مكون من خمسة أعضاء.
وأوعزت الجماعة مهمة قيادة البلاد إلى عائلة الحوثي تحديداً، متجاهلة بذلك جميع التحذيرات من خطورة تغولها على المؤسسات وتداعيات ذلك في تأجيج نعرات مناطقية ومذهبية غير مسبوقة، لن يكون بالإمكان احتواؤها في ظل رفض شعبي واسع لما يقوم به الحوثيون، كانت التظاهرات التي خرجت عقب إعلان البيان في عدد من المحافظات، وتوالي الإعلانات عن رفض ما تضمنه البيان ووصفه بأنه "اغتصاب للسلطة" أولى بوادرها. وكانت قيادات في محافظة مأرب أول من اتخذ الموقف الرافض للبيان، بينما أكد رئيس اللجنة الإشرافية للحراك الجنوبي المنادي بفك الارتباط بين الشمال والشمال، ردفان الدبيس "أن الإعلان الدستوري لا يمثل الجنوب، ولن نسمح للحوثيين بالسيطرة على المدن الجنوبية".
وأظهرت مواد الإعلان الدستوري، الذي أسقط جميع الاتفاقات التي كان يدار بها اليمن منذ تنحي علي عبد الله صالح وتحديداً المبادرة الخليجية، حرص الجماعة على حصر جميع السلطات في يد اللجنة الثورية التي يقودها محمد علي الحوثي، ابن شقيقة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي الذي انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي فور انتهاء قراءة البيان الدستوري بعدما كان مجهولاً من غالبية اليمنيين، فيما يبدو أنه انتحار سياسي مبكر للجماعة.
وأبرز ما تضمنه الإعلان المليء بالتناقضات، حل البرلمان، آخر المؤسسات الدستورية، التي يمتلك فيها حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يقوده صالح أغلبية مريحة. وهو ما يعني أن الحوثيين وضعوا أنفسهم في مواجهة صالح، ولا يستبعد إعلان مجلس عسكري مدعوم من القوى السياسية الأخرى، خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة بمبرر الحفاظ على الشرعية الدستورية للبرلمان.
كما نصّ الإعلان الدستوري على استمرار العمل بأحكام الدستور النافذ على ألا تتعارض مع أحكام هذا الإعلان، فيما ينظم الأخير قواعد الحكم خلال المرحلة الانتقالية التي ستمتد بموجب الإعلان لمدة عامين، إذ تضمن مادة تشير إلى أنه تلتزم السلطات الانتقالية (اللجنة الثورية، المجلس الرئاسي والمجلس الوطني الانتقالي) خلال مدة أقصاها عامان بالعمل على إنجاز الاستحقاقات المرحلة الانتقالية من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومنها مراجعة مسودة الدستور الجديد وسن القوانين التي تتطلبها المرحلة التأسيسية، والاستفتاء على الدستور تمهيداً لانتقال البلاد إلى الوضع الدائم وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفقا لأحكامه.
ووفقاً للإعلان تختص اللجنة الثورية باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية سيادة الوطن وأمنه واستقراره، على أن تتفرع عنها اللجان الثورية في المحافظات والمديريات في أنحاء الجمهورية.
وفيما حل البرلمان، أقرّ الإعلان أنه تشكل من اللجنة الثورية مجلساً وطنياً انتقالياً عدد أعضائه 551 عضواً يشمل المكونات غير الممثلة فيه، على أن يحق لأعضاء مجلس النواب المنحل حق الانضمام إليه.
وبينما لم يتضح مصير كل من الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، ورئيس الحكومة المستقيل خالد بحاح وباقي أركان حكومته الذين يخضعون للإقامة الجبرية، نص البيان على أن يتولى رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية مجلس رئاسة مكون من 5 أعضاء، ينتخبهم المجلس الوطني وتصادق عليه اللجنة الثورية على أن يكلف مجلس الرئاسة من يراه من أعضاء المجلس الوطني أو من خارجه بتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية. ومن غير الواضح من هي الشخصيات التي قد توافق على المشاركة في المجلس الرئاسي.
وقد برر الحوثيون خطوتهم أمس بأن مفاوضات القوى السياسية فشلت، وأن الشعب "فوض قيادة الثورة" (المقصود عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة)، باتخاذ ما تراه مناسباً لسد الفراغ الناجم عن استقالة الرئيس هادي والحكومة.
وقد حرص الحوثيون على أن يحشدوا لمراسيم الإعلان شخصيات حكومية وعسكرية ومدنية لإضفاء مشروعية شعبية على إعلانهم، وكان لافتاً حضور وزير الداخلية المستقيل جلال الرويشان ووزير الدفاع المستقيل محمود الصبيحي. والأخير تحدثت مصادر يمنية عن أنه تم اقتياده بالقوة إلى القصر الرئاسي. وعدا الوزيرين فإن الحضور خلا من أي شخصيات اعتبارية ذات وزن سياسي أو عسكري.
وكان مستبعداً أن يقدم الحوثيون على خطوة بهذا الحجم، من دون التنسيق مع حزب المؤتمر، إلا أن جزئية حل البرلمان تعتبر بحسب محللين، ضربة قاضية للمؤتمر، على أن هناك من لا يستبعد أن يكون لحزب صالح دور غير مباشر عن طريق تشجيع الجماعة على الإقدام على هذه الخطوة، لإيقاعها في استكمال آخر خطوات "الانقلاب".
وقد تواصلت "العربي الجديد" مع قادة أحزاب لمعرفة موقفهم من إعلان الحوثيين، ليرد قيادي رفيع في الهيئة العليا لحزب التجمع اليمني للإصلاح بأنه لم يطلع على الإعلان الدستوري للحوثيين "لأن الكهرباء مقطوعة في البيت"، بينما أفاد قيادي مؤتمري في اللجنة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر أن الحزب سيعقد اجتماعاً طارئاً لاتخاذ موقف رسمي من ذلك الإعلان. ورفض الإدلاء بأي تصريح يستبق الموقف الرسمي للحزب.
كما عقد التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري اجتماعاً لتحديد موقفه، فيما اعتبر القيادي الناصري محمد يحيى الصبري أن ما أقدم عليه الحوثيون هو "إعلان انتحار للمعنى ولكل الأصول السياسية؛ لأنه يشكل مجلساً انتقالياً للمليشيات وأعمدة الأسرة وينحر مؤسسات الحكم وأصول الدولة اليمنية". وأضاف في تصريح لـ "العربي الجديد" أن الإعلان يمد الأوضاع السياسية الشاذة إلى نهايتها ويحول فراغ السلطة إلى فراغ دولة وفوضى.