الحريّة بوصفها ضماناً أمنياً

27 يونيو 2016
(في عمّان، تصوير: محمد أبو غوش)
+ الخط -

كلما أثيرت قضايا الحرية والديمقراطية، يرد طرف بالأمن وقيمته؛ ليرد، بالمقابل، بعض الناشطين بالحريات والإصلاحات، وكأنه تقليل من قيمة الأمن والأمان. لكن ما يعنيه هذا التضاد هو أبعد من مجرد وجهات نظر مختلفة؛ فهذا التباعد في الرؤى سيقود حتماً إلى حساسية متبادلة تجاه المنطلقات، ليولد جدل الحرية والأمن.

فالجدل بمعناه الدارج ينتهي إلى قيمة معينة كخلاصة في رؤية فلسفية ما، أو يستمر بلا توقف في رؤىً أخرى؛ أي أن الحرية والأمن قد أضحيا في نظر المتطرفين من الطرفين نقيضين لا يتسع المجال لكليهما؛ فالوطن الآمن لا بد له وأن يكون محكوما بقبضة الأجهزة، والتي من حقها وفقاً لهذا التصوّر أن تتجاوز صلاحياتها الأمنية إلى التدخل في كافة الشؤون المجتمعية. فلها الحق في الوصاية على المشهد السياسي، والذي يستتبع حتماً العبث (حتى لو كان إيجابياً في نتيجته أحياناً) في الاقتصاد، مع تحكّم شبه علني في المشهد الثقافي.

هذا الأخير لا حول له ولا قوة أمام قوى السلطة والأجهزة لكونه موضوعياً، ومعزولاً تماماً عن الحواضن الشعبية، والمسوغ لكل هذا هو الأمن، مع بعض المقارنات التي تبقى أحيانا صدىً في أوساط اجتماعية في مختلف طبقات المجتمع وشرائحه؛ مقارنات بالجوار الملتهب أو بالماضي، ولا ضير من بعض الأمثلة حول إمكانية المشي في الشوارع ليلاً أو نهاراً والتنقل من دون خوف، رغم أن ما يمنع هذا التنقل والتجوال والتسكع ليس غياب الأمن، بل غياب القدرة على تمويله. فالخروج للسهر والسمر والتنقل هو في أبسط متطلباته يحتاج للبنزين الذي رفعت الحكومة سعره قبل أيام، ناهيك عن ضريبته العالية اصلاً.

وباستمرار الحل الأمني، تظهر في المجتمع نماذج معينة لرجل الأمن؛ فتختلف النظرة تجاهه من الاحترام والتقدير إلى الخوف. بمعنى آخر، من الاحترام والتقدير لأهمية دوره، إلى الخوف بسبب دوره.

وهذا ليس أمراً هيناً، بل هو فعلياً المقتل الذي يتهدد المجتمعات والدول؛ أن يصبح رمز الأمن والاستقرار عنواناً لقيمة سلبية كالخوف، ليصبح، تدريجياً، عدواً. وما أمرٍ يهدّد مجتمعاً أكثر من أن تكون دولته عدواً لشعبه؛ لأن العقد الاجتماعي حينها يكون قد تفسخ، وتصبح الاضطرابات غير معلومة المدى أمرا حتمياً قدومه.

هكذا، يتم اتّخاذ بعض البلدان المجاورة نموذجاً؛ إذ يصبح انتقاد الحالة الأمنية السائدة يُعامَل على أنه مُطالبة بالفوضى؛ فتُستخدم قيمة الأمن من أجل الابتزاز. هنا، سيصبح الناشطون والمطالبون بالتغيير، مُطالبين بتوضيح قيمة الأمن ومفهومه؛ من جهة أن الحريات هي الأخرى ضمانة أمنية.

الحريات في أبسط تجلياتها حالة تنفيس؛ تتيح لصاحب القرار والناس التواصل بلغة بسيطة، مسموعة بوضوح، لا لغة دراسات من مراكز بحثية لا تملك أي معطيات واقعية عن الشارع؛ فالأخير مُغيّب بسبب القبضة الأمنية. الحرية تصنع الشفافية وتضع الإصبع على الجرح حتى يلتئم؛ تعالجه إما بشكل فوري إن أمكن، أو بخطط واضحة المعالم، تُطمئن المظلوم على حقه، وتغنيه عن وعد المنظمات الإرهابية له بالاقتصاص من ظالمه، تفقدها السبب والمشروعية، تنبذها وتجعل الحراكات الشعبية خط دفاع أول أمامها بدل من نقطة ضعف توجع جسم الوطن وتؤرّق صاحب القرار بقابليتها للذوبان في الأكثر تطرفاً.

الحريات ستصنع حياة برلمانية حقيقية، تجعل ممثلي الشعب شركاء للعرش في صنع القرار، وليس شبحاً لمجلس نواب بلا حول ولا إرادة. وهل من الأمن والأمان في شيء أن يصل لمقعد تمثيل الشعب من يرفع سلاحه بوجه المجلس تعبيراً عن غضبه؟ كما حصل يوماً في مشهد كاريكاتوري لا ينسى.


(الأردن)

المساهمون