21 يوليو 2014
الحرب على "الإخوان"
من المفارقات المذهلة أنّ الأنظمة العربيّة، التي لم تتّفق من قبل على معاداة إسرائيل، باتت تتّفق على معاداة الإخوان المسلمين، بحجّة دعمهم الإرهاب؛ وأنّ جماعات اليسار العربيّ، التي كانت تتّهم الإخوان بالعمالة لأميركا والتحالف مع الأنظمة الرجعيّة، باتت تتّفق مع تلك الأنظمة على معاداة الإخوان، وتتحالف معها ضدّهم، من دون أن تعتبر ذلك عمالة أو مهادنة. إنّ الإخوان، إذن، عملاء لأميركا وإرهابيّون في الوقت ذاته، وذلك يعني أنّ أميركا متحالفة مع الإرهاب الذي تزعم أنّها تحاربه، وأنّ الأنظمة العربيّة، التي تدور في فلك أميركا، متحالفة مع الإخوان الذين تحاربهم، وذلك ما لا يقبله منطق أبداً. ولذا، فإمّا أن تكون تهمة الإرهاب باطلة، أو أن تكون تهمة العمالة لأميركا باطلة، فإذا سقطت تهمة الإرهاب، فلماذا يستمرّ النظام العربيّ في محاربة الإخوان؟ وإذا سقطت تهمة العمالة لأميركا فلماذا يستمرّ اليسار العربيّ في محاربتهم؟
وبغضّ النظر عن كلّ ما يقال عن الإخوان، فإنّنا أمام جسم تنظيميّ ضخم، يقدّر عدد المؤازرين والمريدين والمنتمين إليه بما يربو على عشرة ملايين شخص، منتشرين على امتداد الخارطة العربيّة، وذلك ما من شأنه أن يثير هلع النظام الاستبداديّ العربيّ، وهلع (اليسار) الأيديولوجيّ، وهلع الغرب وإسرائيل. وبغضّ النظر ـ مرّة أخرى ـ عن كلّ ما يقال، فإنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنّ هذا التنظيم لم يغب أبدًا، منذ أن ولد في الإسماعيليّة سنة 1928، عن الساحة المصريّة، ولم يقف خارج الأحداث قطّ، بدءاً من انتفاضة الشعب المصريّ بعد الحرب العالميّة الثانية، وإضرابات عامي 1947 و1948، وامتداداً إلى الكفاح المسلّح في قناة السويس، وحرب فلسطين عام 1948، وصولاً إلى ثورة يوليو 1952، وما تلاها من أحداث حتّى يومنا هذا. وبموازاة ذلك، فإنّ هذا التنظيم لم يرضخ قطّ لشروط القطريّة العربيّة، الّتي كانت تسعى إلى حصر العمل السياسيّ العربيّ في نطاق القطر، بل تحوّل من تنظيم مصريّ محليّ إلى تنظيم عربيّ وأمميّ فاعل، ولا يعترف بالحدود الجغرافيّة، شأن أيّ تنظيم أمميّ آخر.
في الحقبة الملكيّة، اتّهم الإخوان بالموالاة للنظام، مع أنّ الأمر انتهى إلى اتّهامهم باغتيال رئيس الوزراء، محمود فهمي النقراشي، عام 1948، وقيام القصر الملكيّ والحكومة باغتيال حسن البنّا عام 1949. وفي الحقبة الناصريّة، اتّهموا بمعاداة الثورة والعمالة للإنجليز، مع أنّهم حاربوا الإنجليز وساهموا في الثورة على نظام فاروق، ثمّ دفعوا ثمناً كبيراً لتناقضهم مع النظام الناصريّ. وفي الحقبة الساداتيّة، اتّهموا بقتل السادات، بعد أن كانوا متّهمين بالتواطؤ معه. أمّا في حقبة مبارك، فقد اتّهموا بأنّهم معارضة ديكوريّة لتزيين صورة النظام، مع أنّه كان يتّهمهم ـ بدوره ـ بالإرهاب، ولم يكفّ عن اضطهادهم وإقصائهم وزجّهم في السجون؛ وفي 25 يناير اتّهموا بتأخّرهم يومين عن الالتحاق بركب الثورة، رغم الاعتراف بأنّ الثورة ما كانت لتستمرّ، لو أنّ شباب الإخوان لم يشقّوا عصا الطاعة، وينزلوا إلى ميدان التحرير منذ اليوم الأوّل بأعدادهم الضخمة، وقدراتهم التنظيميّة العالية. وفي الفترة الانتقاليّة، تحالف اليساريّون والناصريّون والأقباط ضدّهم، في كلّ الاستحقاقات الانتخابيّة الّتي تلت سقوط مبارك، لا بل إنّ هدى جمال عبد الناصر ـ بنت الزعيم الذي أقدّسه ـ لم تتورّع عن التحالف مع الفلول، حين انتخبت أحمد شفيق، مثلما أنّ الأستاذ محمّد حسنين هيكل لم يتورّع عن التحالف مع العسكر، حين ارتضى لنفسه بأن يكون عرّاباً لانقلاب عبد الفتاح السيسي. إزاء هذا المشهد الواضح، الذي لا لبس فيه، تتحوّل القراءة إلى فعل أخلاقيّ، من أفعال الضمير، ويتعيّن على المثقّف العربيّ أن يؤجّل انحيازاته الأيديولوجيّة والسياسيّة لصالح انحيازه الأخلاقيّ، وأن يكون شاهد حقّ في هذه القضيّة التي يسعى النظام العربيّ الاستبداديّ إلى أن يكسبها ضدّ ضحيّته.
إنّ الحديث عن الإرهاب حديث ملتوٍ ومشبوه، إذ يكفي أن نرى النظام الاستبداديّ العربيّ من المحيط إلى الخليج وهو يعلكه، لنعرف أنّه جزء من خطاب اجتثاثيّ، يهدف إلى أكل الثور الإسلاميّ الضخم، مثلما سبق أن أكل الثور القوميّ في العراق. ومن عجائب الأمور، مثلًا، أن يصطفّ النظام السعوديّ إلى جانب النظام السوريّ في محاربة الإخوان المسلمين، بحجّة الإرهاب، مع أنّ كلاّ منهما يتّهم الآخر بدعم الإرهاب؛ وأن تجد في بلد كالسنغال باحثاً (محمّد بامبا نداية) يقول: إنّ الإخوان المسلمين هم مرض القرن. إنّ عمليّات الشيطنة المنظّمة، التي تديرها الأنظمة العربيّة، وتساهم فيها بعض قوى اليسار الخائفة، جزء من حرب واسعة، تطمح إلى اجتثاث الإخوان كلياً وهم الأكبر حجماً وتجربةً، والأكثر تأهيلاً ونضجاً من بين الجماعات السياسيّة العربيّة. ومن المؤكّد أنّ ذلك سيؤدّي إلى فقدان النواة الصلبة التي يحتاج إليها العرب، من أجل ولاداتهم القادمة. إنّ جماعة الإخوان المسلمين ـ كما يقول شادي حامد (الخبير في مركز بروكنجز) ـ ليست مجرّد جماعة دينيّة أو سياسيّة، بل هي أشبه بدولة الظلّ في مصر الحديثة، وهو ما ظهر من خلال نجاحها في كسب المؤيّدين على مدار العقود السابقة. إنّها أمّ الجماعات الإسلاميّة، ولو أردنا أن نكون منصفين لقلنا: إنّ الجماعات السياسيّة العربيّة كلّها ستفقد ظلّها، من دون وجود شقيقتها الكبرى، وستغرق في ظلام الأنظمة البهيم الذي لا نهاية له.
وبغضّ النظر عن كلّ ما يقال عن الإخوان، فإنّنا أمام جسم تنظيميّ ضخم، يقدّر عدد المؤازرين والمريدين والمنتمين إليه بما يربو على عشرة ملايين شخص، منتشرين على امتداد الخارطة العربيّة، وذلك ما من شأنه أن يثير هلع النظام الاستبداديّ العربيّ، وهلع (اليسار) الأيديولوجيّ، وهلع الغرب وإسرائيل. وبغضّ النظر ـ مرّة أخرى ـ عن كلّ ما يقال، فإنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنّ هذا التنظيم لم يغب أبدًا، منذ أن ولد في الإسماعيليّة سنة 1928، عن الساحة المصريّة، ولم يقف خارج الأحداث قطّ، بدءاً من انتفاضة الشعب المصريّ بعد الحرب العالميّة الثانية، وإضرابات عامي 1947 و1948، وامتداداً إلى الكفاح المسلّح في قناة السويس، وحرب فلسطين عام 1948، وصولاً إلى ثورة يوليو 1952، وما تلاها من أحداث حتّى يومنا هذا. وبموازاة ذلك، فإنّ هذا التنظيم لم يرضخ قطّ لشروط القطريّة العربيّة، الّتي كانت تسعى إلى حصر العمل السياسيّ العربيّ في نطاق القطر، بل تحوّل من تنظيم مصريّ محليّ إلى تنظيم عربيّ وأمميّ فاعل، ولا يعترف بالحدود الجغرافيّة، شأن أيّ تنظيم أمميّ آخر.
في الحقبة الملكيّة، اتّهم الإخوان بالموالاة للنظام، مع أنّ الأمر انتهى إلى اتّهامهم باغتيال رئيس الوزراء، محمود فهمي النقراشي، عام 1948، وقيام القصر الملكيّ والحكومة باغتيال حسن البنّا عام 1949. وفي الحقبة الناصريّة، اتّهموا بمعاداة الثورة والعمالة للإنجليز، مع أنّهم حاربوا الإنجليز وساهموا في الثورة على نظام فاروق، ثمّ دفعوا ثمناً كبيراً لتناقضهم مع النظام الناصريّ. وفي الحقبة الساداتيّة، اتّهموا بقتل السادات، بعد أن كانوا متّهمين بالتواطؤ معه. أمّا في حقبة مبارك، فقد اتّهموا بأنّهم معارضة ديكوريّة لتزيين صورة النظام، مع أنّه كان يتّهمهم ـ بدوره ـ بالإرهاب، ولم يكفّ عن اضطهادهم وإقصائهم وزجّهم في السجون؛ وفي 25 يناير اتّهموا بتأخّرهم يومين عن الالتحاق بركب الثورة، رغم الاعتراف بأنّ الثورة ما كانت لتستمرّ، لو أنّ شباب الإخوان لم يشقّوا عصا الطاعة، وينزلوا إلى ميدان التحرير منذ اليوم الأوّل بأعدادهم الضخمة، وقدراتهم التنظيميّة العالية. وفي الفترة الانتقاليّة، تحالف اليساريّون والناصريّون والأقباط ضدّهم، في كلّ الاستحقاقات الانتخابيّة الّتي تلت سقوط مبارك، لا بل إنّ هدى جمال عبد الناصر ـ بنت الزعيم الذي أقدّسه ـ لم تتورّع عن التحالف مع الفلول، حين انتخبت أحمد شفيق، مثلما أنّ الأستاذ محمّد حسنين هيكل لم يتورّع عن التحالف مع العسكر، حين ارتضى لنفسه بأن يكون عرّاباً لانقلاب عبد الفتاح السيسي. إزاء هذا المشهد الواضح، الذي لا لبس فيه، تتحوّل القراءة إلى فعل أخلاقيّ، من أفعال الضمير، ويتعيّن على المثقّف العربيّ أن يؤجّل انحيازاته الأيديولوجيّة والسياسيّة لصالح انحيازه الأخلاقيّ، وأن يكون شاهد حقّ في هذه القضيّة التي يسعى النظام العربيّ الاستبداديّ إلى أن يكسبها ضدّ ضحيّته.
إنّ الحديث عن الإرهاب حديث ملتوٍ ومشبوه، إذ يكفي أن نرى النظام الاستبداديّ العربيّ من المحيط إلى الخليج وهو يعلكه، لنعرف أنّه جزء من خطاب اجتثاثيّ، يهدف إلى أكل الثور الإسلاميّ الضخم، مثلما سبق أن أكل الثور القوميّ في العراق. ومن عجائب الأمور، مثلًا، أن يصطفّ النظام السعوديّ إلى جانب النظام السوريّ في محاربة الإخوان المسلمين، بحجّة الإرهاب، مع أنّ كلاّ منهما يتّهم الآخر بدعم الإرهاب؛ وأن تجد في بلد كالسنغال باحثاً (محمّد بامبا نداية) يقول: إنّ الإخوان المسلمين هم مرض القرن. إنّ عمليّات الشيطنة المنظّمة، التي تديرها الأنظمة العربيّة، وتساهم فيها بعض قوى اليسار الخائفة، جزء من حرب واسعة، تطمح إلى اجتثاث الإخوان كلياً وهم الأكبر حجماً وتجربةً، والأكثر تأهيلاً ونضجاً من بين الجماعات السياسيّة العربيّة. ومن المؤكّد أنّ ذلك سيؤدّي إلى فقدان النواة الصلبة التي يحتاج إليها العرب، من أجل ولاداتهم القادمة. إنّ جماعة الإخوان المسلمين ـ كما يقول شادي حامد (الخبير في مركز بروكنجز) ـ ليست مجرّد جماعة دينيّة أو سياسيّة، بل هي أشبه بدولة الظلّ في مصر الحديثة، وهو ما ظهر من خلال نجاحها في كسب المؤيّدين على مدار العقود السابقة. إنّها أمّ الجماعات الإسلاميّة، ولو أردنا أن نكون منصفين لقلنا: إنّ الجماعات السياسيّة العربيّة كلّها ستفقد ظلّها، من دون وجود شقيقتها الكبرى، وستغرق في ظلام الأنظمة البهيم الذي لا نهاية له.