كثيراً ما ذَكرت كتب تاريخية توثيقية أن القرن العشرين هو أكثر القرون دمويةً في تاريخ البشرية، إذ أدّت الصراعات السياسية إلى موت ما بين 175 و200 مليون إنسان في العالم. وقد تركت حروب القرن الماضي أرشيفاً ضخماً من الصور الفوتوغرافية التي شكّلت الذاكرة المسجّلة للحروب المختلفة، تلك التي افتتحت القرن وتلك التي اختتمته، سواء كانت صوراً للبروباغندا أو تلك الصور التي يلتقطها فنّانون، أو الصور التوثيقية والصحافية التي تُستخدم اليوم كأدلّة.
من فظاعات القرن الماضي؛ ما عُرف بالحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) التي انقضت ولم ينقض الحديث عنها، وباتت مهمّة أرشفة ذاكرتها أساسية في عملية المصالحة مع الذات والآخر والمكان. في هذا السياق، تقوم جمعية "الصورة ذاكرة" في بيروت حالياً بمحاولة لجمع ما أمكن من الصور التي التقطها فوتوغرافيون خلال سنوات العنف الخمس عشرة بهدف أرشفتها وعرضها في "دار النمر للفن والثقافة"، بالشراكة مع "دار المصور" في بيروت في 18 إبريل/نيسان المقبل.
يقول المصوّر رمزي حيدر، مؤسّس الجمعية، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "المعرض يضمّ صوراً نريد أن ننقلها من ذاكرة المصوّر إلى ذاكرة المجتمع"، معتبراً أن "المصوّرين الذي كانوا شهوداً على الحرب تفرّقوا، فجزء منهم هاجر وجزء منهم رحل عن عالمنا، وبعضهم بقي في البلاد، ومنهم من يملك أرشيفه، ومنهم من تمتلك صحف مثل "السفير" و"النهار" أرشيفه".
ما هو مؤكّد عرضه في "دار النمر"، حتى الآن، هو 24 صورة من 24 مصوراً. يوضّح حيدر: "سوف نعرض عملاً واحد لكل مصوّر. لا توجد ثيمات أو تصنيفات في طريقة تقديم الصور، بل إن ما نطلبه من الفوتوغرافي هو أن يقدّم لنا صورة تعني له شيئاً خاصاً دوناً عن كل ما التقط في تلك السنوات". من المصوّرين المهاجرين كامل لمع الذي يعيش حالياً في برلين، ومحمود جواد في فرنسا، وهيثم هيثم في أستراليا. كذلك توجد صور لكل من عبد الرزاق السيد، وعلي حسن، وميشال برزغال، وهؤلاء رحلوا وكانوا من مصورّي جريدة "السفير" أيام الحرب، وقد حصلت الجمعية على صورهم من أرشيف الصحيفة التي كان لديها أربعة مصوّرين فقط في بداية الحرب التي انتهت بأربعين مصوّراً في الجريدة.
أما المصوّرون الذين استشهدوا أثناء عملهم في الحرب، فيذكر منهم عبد الرزاق السيد وخليل هيني، وجورج سماجيان، وهاني الجردي، وتوفيق غزاوي، وبهيج متني، وعبد الرحمن الحلبي، وبيار شباط، وهاني طه، ومحمد تمساح، إضافةً إلى عدنان كركي، ومعين معتوق، وأسعد جرادي، وهؤلاء الثلاثة رحلوا وحتى الآن لم تعثر الجمعية على أثر لأرشيفهم. يضيف حيدر: "لدينا أسابيع قليلة قبل موعد المعرض وحتى الآن لم نجد أرشيف هؤلاء المصوّرين، ولا أعرف هل سننجح في العثور عليه أم لا". ويوضّح: "تخطّط الجمعية لانطلاقة مهرجان "الصورة ذاكرة" وهو من التظاهرات القليلة المخصّصة للفوتوغرافيا فقط في لبنان، والذي سوف ينطلق في سبتمبر/أيلول المقبل، ويعد المعرض هذا انطلاقة له".