الجيش الجزائري والمعارضة: تحذير بصبغة التهديد

18 ديسمبر 2014
ترفض المعارضة أي دور سياسي للجيش(كنزو تريبولارد/ فرانس برس)
+ الخط -

جاءت لهجة الجيش الجزائري، بخلاف كل المرات السابقة، في رسالته إلى قوى المعارضة، يوم الاثنين الماضي، أكثر حدة. وانتقل، في بيانه الذي جاء بعنوان: "لا للمغالطات"، من لغة التنبيه إلى لغة التحذير والتهديد بالانتقال إلى المواجهة، إزاء ما يعتبره "تحرشاً سياسياً وإعلامياً"، ووصفه بـ"التحريض". كما اتهم المعارضة بالسعي إلى تجسيد وتنفيذ مشاريع سياسية بالوكالة، في إشارة إلى الربيع العربي.

وحذرت قيادة الجيش، في بيانها، من دعوات التحريض ضد المؤسسة العسكرية ومحاولة الزج بها في الشأن السياسي. ووصفت المؤسسة العسكرية التصريحات والاتهامات الموجهة إلى قيادتها من قبل أحزاب المعارضة بأنها "تحريض ودعوة للتمرد بعبارات واضحة وصريحة، وبشكل مخالف للقوانين والأعراف السياسية". ودعا البيان القوى السياسية إلى احترام مؤسسة الجيش، معتبراً أنه "حريّ بهؤلاء الالتزام واحترام مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش وعدم الزج به في الشأن السياسي الذي هو ليس من مهامه على الإطلاق".

يتضح من البيان أنّ صبر قيادة الجيش تجاه المعارضة السياسية في الجزائر بدأ ينفد، وهو ما ظهر في تأكيدها أنه ليس على المعارض "استغلال تمسكه بمهامه الدستورية للطعن في شرعية مؤسسات الدولة". واتهم الجيش المعارضة "باعتماد الإثارة والمغالطة والمبالغة في اختلاق الأزمات وتزييف الحقائق على مختلف الأصعدة". وذهب بيان المؤسسة العسكرية إلى حد اتهام قوى وشخصيات المعارضة السياسية في البلاد بـ"تغليب الطموحات الشخصية والمصالح الضيقة على المصلحة العليا للوطن"، و"القيام بالمحاولات اليائسة التي تعبّر عن طموحات شخصية، نابعة من أفكار بعيدة كل البعد عن تاريخ وجغرافيا وواقع الجزائر، تسوّق لأفكار وتمنيات تحوّلت مع الوقت إلى أوهام، والتي تسعى لتجسيدها وتنفيذها بالوكالة". وأكد البيان أنه "يبقى الجيش ثابتاً ومتماسكاً، واعياً بالتهديدات والمخاطر، متمسكاً بمهامه في ظل القوانين والنظم".

الموقف الحاد للمؤسسة العسكرية يأتي عقب انتقادات عنيفة وجهتها أحزاب المعارضة لقيادة الجيش، بعد تصريحات نُسبت إلى نائب وزير الدفاع الوطني، قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، تخصّ الشأن السياسي للبلاد، دافع فيها عن شرعية مؤسسة الرئاسة ورفض دعاوى المعارضة بالدعوة الى انتخابات رئاسية مسبقة. واعتبر قايد صالح أنّ الانتخابات الرئاسية، التي جرت في أبريل/ نيسان الماضي، نزيهة وشفافة. وهي التصريحات التي اعتبرتها المعارضة خروجاً عن خط الحياد الملتزم به الجيش، ومحاولة للدفع بالمؤسسة العسكرية إلى قلب المشهد السياسي.

اللافت أن المعارضة والشخصيات السياسية المناوئة للسلطة تحافظ على قناعتها بأنّ الجيش لا يزال لاعباً فاعلاً في الشأن السياسي. ووفقاً لتحليلاتها، فإن قيادة أركان الجيش ظلت أبرز داعم لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولا سيما في الانتخابات الرئاسية، إذ إن رئيس أركان الجيش يشغل أيضاً منصباً سياسياً في الحكومة كونه نائب وزير الدفاع الوطني. ولذلك، فإن مواقف المعارضة من تدخل الجيش في الشأن السياسي، لا يقصد منها أنه الفاعل الرئيس في القرار السياسي بشكل مباشر، مثلما كان عليه في التسعينات منذ تدخله لوقف المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992، عقب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة بالانتخابات التشريعية أو اختيار عبد العزيز بوتفليقة كمرشح إجماع وطني في انتخابات عام 1999. لكن المعارضة تعتقد أن المؤسسة العسكرية لا تزال تؤثر في التوازنات السياسية داخل دوائر الحكم في البلاد.

وحتى وقت قريب كانت المؤسسة العسكرية على هامش التجاذبات السياسية، لكنها تحولت منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى قلب المعترك السياسي. وبالنسبة لبعض الشخصيات المعارضة، كالناشط الحقوقي علي يحيى عبد النور، ولرئيسي الحكومة السابقين، مولود حمروش وسيد أحمد غزالي، فإن الجيش يجب أن يؤدي دوره في حماية المسار الديمقراطي من خلال ضمان إحداث تغيير سياسي سلمي في البلاد، ومنع تغوّل محيط الرئاسة، وحماية مسار تطبيق المادة 88 من الدستور التي تقرّ آلية شغور منصب الرئيس، بعد الوعكة الصحية التي أدت الى غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي.

وتتهم أطراف أخرى من المعارضة الجيش بدعم محيط بوتفليقة، والتحالف بين قيادة الأركان ومؤسسة الرئاسة ضد المعارضة وتعطيل مطالباتها والضغط عليها.

ويخشى من أنّ لهجة التخويف الجديدة التي تبناها الجيش إزاء المعارضة قد تكون التحذير الأخير الذي توجهه المؤسسة العسكرية إلى الأحزاب السياسية، ولا سيما أن الجيش يعتبر أن إثارة توتر سياسي يعد الجيش طرفاً فيه يزيد من عبئه الميداني في ظل التوترات الإقليمية والتهديدات الأمنية التي تواجهها الجزائر.

وستظهر الأيام المقبلة ما إذا كانت المعارضة قد وصلت إليها رسالة العسكر، أم أنها ستصرّ على مقاربتها المتصلة بوجود يد للعسكر في إسناد الرئاسة.

المساهمون