الجزائر محرجة بين بشاعة الجريمة ورفض التدخل العسكري

17 فبراير 2015
الجزائر تفضل الحلّ السياسي للأزمة الليبية (الأناضول)
+ الخط -
تحفظت الجزائر عن إدانة التدخل المصري في ليبيا، على الرغم من موقفها المبدئي الرافض للتدخل الأجنبي. غير أنّ هذا التحفظ يعبّر عن خيبة جزائرية إزاء خرق مصر للتفاهمات السياسية مع الجزائر بشأن تبني الحل السياسي للأزمة الليبية، والحدّ من أي تدخل أجنبي.


ووصف مراقبون في الجزائر الضربة الجوّية التي وجهها الجيش المصري بأنّها محاولة منه لتحسين صورته إزاء الرأي العام الداخلي، بعد الصورة المشوشة التي ولدتها الأوضاع والأحداث في مصر، خصوصاً عقب المذبحة التي راح ضحيتها 40 مناصراً لنادي الزمالك قبل أسبوع.

ورأى الخبير قوي بوحنية في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ "الضربة الجوّية المصرية في ليبيا، هي محاولة لتأكيد قوة الجيش المصري وجاهزيته في ظل الحديث عن دوره المتداخل في الحياة السياسية، وفي ظل الانتقادات التي توجّه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمؤسسة الأمنية بسبب التقصير الذي أدی إلی وفاة 40 مشجعاً لنادي الزمالك قبل أسبوع". وأضاف أنّ "الجيش المصري يحاول تصحيح وتحسين صورته، بضرورة حماية المصريين في الداخل والخارج".

وعلّق الخبير الجزائري المتخصص في الشؤون الأمنية الاستراتيجية على الموقف الجزائري من الضربات العسكرية المصرية في ليبيا، قائلاً إن "الجزائر وجدت نفسها محرجة من التدخل العسكري المصري، لأنّها لم تستطع أن تنتقده علنا، تماشياً مع موقفها المبدئي الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا، والداعي إلى حلّ الأزمة الليبية بالطرق السياسية" أمام هول المجزرة. وأشار في الوقت نفسه إلى أن "الجزائر لم تثق في المواقف المصرية، وكانت على علم بالتدخل العسكري المصري في ليبيا لدعم قوات خليفة حفتر منذ فترة طويلة".

وقال بوحنية إن "الجزائر لا تملك أدوات للضغط على السلطات المصرية لوقف تدخل الجيش المصري في ليبيا، شأنها في ذلك شأن الأزمة في مالي في مارس/آذار 2013، إذ لم تستطع أن تمنع فرنسا من التدخل العسكري في مالي".
وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية أمس بياناً دانت فيه المجزرة الشنيعة التي اقترفها تنظيم "داعش" في حق رعايا مصريين في ليبيا. وجاء في  البيان أن "الجزائر تدين أيما إدانة المجرزة الشنيعة التي اقترفتها الأيادي الآثمة للتنظيم الإرهابي المسمى (داعش) في حق رعايا مصريين أبرياء في ليبيا".

وجددت الجزائر موقفها الثابت والرافض للإرهاب بكل أشكاله وصوره ومسمياته. ودعت "المجتمع الدولي برمته إلى تنسيق الجهود للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ووضع حد لسلسلة الجرائم الوحشية التي تدل على تنصل وتجرد مرتكبيها من كل صفات الإنسانية".
 
وفي السياق نفسه، طالب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة باحترام سيادة ليبيا، وقال عقب استقباله لمساعد وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني إن "الجزائر  تدعو إلى احترام سيادة ليبيا وتعزيز المؤسسات الليبية بمصالحة وطنية، وتجدد الدعوة إلى الحوار لحل الأزمة في ليبيا، وإدانتها كافة أشكال الإرهاب".

وفي الوقت الذي تحفظت الحكومة الجزائرية عن إعلان موقف واضح إزاء الضربة الجوية المصرية في ليبيا، عبرت عن "التزامها بمواصلة المساعي مع دول الجوار والفاعلين الدوليين بغرض التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة في ليبيا، بما يضمن عودة الأمن والاستقرار".
وأكّد الخبير بوحنية أن التطورات المتسارعة في ليبيا بعد جريمة "داعش" والضربة الجوية المصرية، تشكّلان تحولاً كبيراً في تعاطي دول الجوار مع الأزمة الليبية.

غير أنّه قدّم فرضية ثانية مرتبطة بتنظيم "داعش"، وليس مصر نفسها، قائلاً إن "داعش" اختار هذا التوقيت لتنفيذ جريمته، والإعلان عن وجوده بشكل رسمي في ليبيا، واستخدام الأدوات نفسها، حتى على مستوى تصوير الجريمة، بهدف تعطيل الحوار الليبي ـ الليبي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة في غدامس الليبية على الحدود مع الجزائر.
من جهة ثانية، أثار تصرّف "داعش" ذعر الجزائر التي وجدت نفسها محاطة بتنظيم "بوكو حرام" في النيجر، وتمدد تنظيم "داعش" في ليبيا (البلدان اللذان تمتلك معهما حدوداً مشتركة)، وهذا يعزّز المخاوف الأمنية لديها، ويدفعها نحو زيادة مستوى التحفز لمراقبة أي تحرك للمجموعات الإرهابية.
وبحسب الخبير الجزائري قوي بوحنية، فإن "الجزائر في خطر كبير والجيش الجزائري مطالب بعمل كبیر بالتنسيق مع الدبلوماسية الجزائرية، وإلا فإن حادثة مقتل الرعية الفرنسي ستتكرر في ظل تنامي العمليات الانتقامية". ولفت إلى أن "التنظيمات الجهادية، خصوصاً "داعش" لا يتعامل بنظام التجزئة الانتقامية هو يتعامل مع جميع الأنظمة بمقياس واحد والجزائر ليست بمعزل عن أي تهديد".