الجزائر... عام للثورة وسنوات للترميم

31 ديسمبر 2019
حققت ثورة فبراير مصالحة تاريخية بين الجزائري والشارع(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن الجزائريون في فسحة منذ 22 فبراير/شباط 2019، ولم يكن الشارع بالنسبة إليهم نزهة، كان العام الماضي سنة ثورية ومعركة ضارية لتحرير البلد من عصبة سياسية ومالية كانت تتوجه للفتك بالجزائر والدفع بها إلى حافة الإفلاس، الذي كان سيكلفها ثمناً باهظاً وقاسياً لو لم يكن هناك 22 فبراير.

على باب العام الجديد 2020، وعلى مقربة من السنة الأولى للحراك الشعبي، تحقق الأهم الذي لا يقلّ عن أي أهمية أخرى. فبغضّ النظر عن المخرجات التي انتهى إليها المآل الجزائري، فإنّ ثمّة عاملاً جديداً دخل في معادلة الشعب والسلطة الآن، هو الشارع والسلمية. إذ يحسب لثورة فبراير أنها حققت مصالحة تاريخية بين الإنسان الجزائري والشارع، كفضاء للاحتجاج السياسي والتعبير المطلبي، وبين الجزائري، الموسوم بالعنفية، والسلمية كأداة للمطالبة بأقلّ كلفة.

سيكون على رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، أو أي مسؤول في أي من مستويات الحكم، وضع هذه الاعتبارات في الحسبان عند اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات السياسية والاقتصادية مستقبلاً. الاحتجاج في حدّ ذاته ليس غاية، لكنه محفّز لمختلف مستويات السلطة من أجل التدقيق في الخيارات قبل إعلانها، والأخذ بعين الاعتبار مسبقاً موقف شارع لم يعد كما كان. إذ لم يعد للسلطة إمكانية تمرير أي مشروع سياسي بالسهولة والمرونة التي كانت عليها الأمور والشارع في وقت سابق. ولم يعد الأخير يتقبل أي خيار يطرح، خصوصاً أنه يجنح مع مرور الوقت للإنصات إلى الرزانة السياسية والتقدير المعرفي.

وإذا كانت سنة 2019 سنة اكتشاف الذات الجماعية خلال الاحتجاجات في الجزائر، وغلب على فتراتها الحشد الجماهيري والدفقة الثورية الأولى (وهو أمر طبيعي يتساوى مع طبيعة الثورات الشعبية غير المنتظمة قيادياً وفكرياً)، يتعيّن أن تكون الفترة التي تلي ذلك، مرحلة ترتكز على عاملين، هما: الحفاظ على النسق الثوري المعترض والمطالب بمختلف مظاهره الشعبية، (استمرار الحراك وتحوله تدريجياً إلى جامعة شعبية للنقاش السياسي)، والانتقال في الوقت نفسه إلى النسق الثوري المُقترِح لعناصر الترميم الوطني، وإعادة اكتشاف الذات المبتكرة والمبدعة للحلول، المنتظمة في أطر مختلفة تعزز التمثيل الشعبي العميق بصدق، وتحدد مربعات مشتركة تتجمع فيها كل عناصر القوة الضاغطة. فضلاً عن التدبير الهادئ والتقدير الاستشرافي الرزين، لصياغة محددات مشتركة وسقف معقول مرتبط بأجندة زمنية، لضمان مشاركة فاعلة وفعلية في مسارات التحوّل وإرساء القواعد المؤسسة لمرحلة التغيير المتطلّع إليه من قبل الشعب.

لا شيء غير الزمن والمعطى يفرض على العقل الثوري تطوير الموقف. كثير من الثورات الشعبية يقتلها الركود ويفتتها الوقت وتأكلها البرجوازية السياسية. وأكثر من أي وقت مضى من عمر الحراك، أصبح الظرف والموعد يستدعي النخب الثورية، الملتزمة والحاملة لمشروع الإصلاح السياسي، لتدخل في عمق الصورة وتضع التصورات الضرورية، لتحقيق المطالب المركزية للحراك. هذه ضرورة المرحلة.

المساهمون