لم تدفع أزمة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالميّة، الحكومة الجزائريّة إلى اتباع سياسة تقشّف في المصاريف وإلغاء عدد من المشاريع الإنمائية والتوظيف فحسب، لكنّها اضطرت أيضاً إلى ترشيد نفقاتها الخارجيّة، خصوصاً تلك التي تتّصل بالمساعدات التي تقدّمها إلى دول الساحل الأفريقي وعدد من الدول الأفريقية.
ويقول مصدر حكومي إنّ رئيس الحكومة عبد المالك سلال، طلب من وزارة الخارجيّة جدولاً بالأولويات المتّصلة بالمساعدات المختلفة، التي اعتادت الجزائر تقديمها إلى الدول الأفريقيّة، كما طلب تحديد المساعدات الضروريّة التي يتوجب إبقاؤها في إطار الالتزامات السياسيّة للجزائر مع الدول الأفريقية، وإلغاء أو تأجيل المساعدات غير الضرورية التي كانت تقدّمها بلاده بشكل طوعي.
وتقدّم الجزائر، منذ عقود، مساعدات ماليّة واقتصاديّة وعسكريّة إلى الدول الأفريقية، خصوصاً مالي والنيجر وموريتانيا، بحكم علاقات الجوار. وتأخذ هذه المساعدات أبعادها السياسيّة، في ما يتّصل بسعي الجزائر إلى إبقاء نفوذها على دول الساحل، ومقارعة النفوذ الفرنسي في المنطقة. وطوّرت الجزائر، في العقود الأخيرة، علاقاتها مع المؤسّسات التقليديّة في مناطق شمالي النيجر ومالي، ومع أعيان القبائل في هذه المناطق، بهدف دفعهم إلى التعاون مع الحكومة الماليّة، لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ووقف الحروب المتتالية بين الطوارق والحكومات الماليّة والنيجيريّة.
وتتكفّل الجزائر في الغالب، بتقديم مساعدات غذائيّة مستمرة، إلى سكان هذه المناطق، وبإنجاز مدارس ومؤسّسات خدَمية وصحيّة لفائدة السكان، وهي تستغلّ هذه المساعدات، في توثيق العلاقة مع أعيان القبائل لمحاربة الجماعات الإرهابيّة، منذ بداية العقد الأخير.
وقدمت الجزائر، خلال فترة ثورات التحرّر الأفريقي، مساعدات مالية واقتصاديّة كبيرة إلى الدول الأفريقية كأنغولا وبوركينا فاسو، لدعم جهود التحرّر. كذلك قدّمت مساعدات عسكريّة، وبقيت في الوقت نفسه تسعى إلى تكوين لوبي سياسي أفريقي يدعم قوى التحرّر ضدّ الاستعمار والأنظمة الموالية له.
وفي مرحلة لاحقة، استغلّت الجزائر تقديم هذه المساعدات، لدفع الدول الأفريقية الى الاعتراف بالبوليزاريو في الصحراء الغربية، ومواجهة سياسات المغرب.
ونجحت الجزائر إلى حدّ كبير في هذا المسعى، مع اعتراف أكثر من 30 دولة أفريقية من إجمالي 52 دولة في منظمة الوحدة الأفريقية، قبل أن تتحوّل إلى الاتحاد الأفريقي، وهو ما دفع المغرب الى اعلان انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية.
وبالإضافة إلى المساعدات، عملت الجزائر على تقديم ديون إلى دول أفريقية لمساعدتها على التنمية، قبل أن تقرر منذ عام 2010، مراجعة سجل الديون، فأعلنت الحكومة الجزائريّة إلغاء ديون تفوق قيمتها الإجمالية 902 مليون دولار، كانت مستحقة لدى 14 بلداً عضواً في الاتحاد الأفريقي. واستفادت دول مالي وموزمبيق والنيجر وساو تومي وبرانسيبي والسنغال والسيشال وتنزانيا وبنين وبوركينا فاسو والكونغو وإثيوبيا وغينيا وغينيا بيساو وموريتانيا من هذا القرار.
وبرّرت الحكومة مبادرتها هذه، في بيان أصدرته في شهر فبراير/شباط 2013، بأنّها تندرج في "إطار التضامن الأفريقي وتجسّد الإرادة السياسيّة للحكومة الجزائريّة في الوفاء كلياً بالتزامها من أجل تحقيق الترقية الاقتصاديّة والاجتماعية للقارة".
واللافت أنّه لم يكن للجزائر حضور في مجال المساعدات العسكريّة للدول الأفريقيّة، عدا بعض المساعدات التقنية، ومنح أسلحة مستعملة للدول الافريقية كأنغولا وناميبيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر، لكنّها ساعدت هذه الدول في مجال تدريب الكوادر العسكريّة. وغالباً ما كان المتخرجون من المدارس العسكريّة الجزائريّة، يتقلّدون مناصب عليا في دولهم، وهو ما ساعد الجزائر على تحقيق جزء من مصالحها السياسيّة والعسكريّة في أفريقيا.
ولن يشمل قرار الحكومة تقليص المساعدات الجزائريّة إلى الدول الأفريقية، وفق ما يوضحه الخبير الاستراتيجي، الدكتور قوي بو حنية، المساعدات الحيويّة الموجّهة إلى دول الجوار، كمالي والنيجر، باعتبارها مساعدات ذات صلة بالاستراتيجيّة الأمنيّة العميقة للأمن الجزائري، المرتبط بأمن هذه المناطق.
ويوضح أنّ "الجزائر تتحاشى في أيّ حال من الأحوال، الظهور أمام الأطراف المتعاونة معها، من الحكومة المالية وقادة الحركات الأزوادية في منطقتي شمالي مالي وشمالي النيجر، وهي المناطق القريبة من الحدود مع الجزائر، في حالة ضعف". وتحرص على "الظهور دائماً بصورة الدولة القوية والشقيقة الكبرى، خصوصاً بالنسبة إلى مالي التي تجتاز فيها مفاوضات السلام مرحلتها الدقيقة والأخيرة".