الثلج الحار: ارتباكات ضابط المدفعية الشاب

24 يناير 2015
من أرشيف الجيش السوفييتي
+ الخط -
حين نَشر يوري بونداريف (1924) عمله الروائي "الثلج الحار" عام 1969، كان يقدّم صورة لم يعرفها العالم لمعركة ستالينغراد. بانوراما من داخل صفوف الجنود، لا تشبه الحكايات الأسطورية الضخمة والعامة، التي كتبها المؤرخون لأغراض سياسية أو ترويجية لبروباغاندا ما.

أتت الرواية، لتكون عبارة عن نتف مركّبة من يوميات الطريق إلى ستالينغراد والانخراط في المعركة، على أرضية سردية أدبية، تلتفت بكثير من الاهتمام إلى العمق الإنساني للشخصيات، العسكرية بمجملها.

كانت لبونداريف أسباب شخصية دفعته إلى كتابة روايته، فهو واحد من أولئك التلامذة الذين انتُشِلوا من المدرسة، ليُنقَلوا عام 1942 إلى ستالينغراد، وهو لم يتجاوز بعد الثامنة عشرة من العمر. فيُعيَّن ضابط مدفعية، بعد تلقيه دورات تدريبية مكثفة، ثم يتعرض لإصابة في الظهر فيلازم المستشفى دون أن يمنعه ذلك من مزاولة نشاطه العسكري.

لكن تجربة الفتى بونداريف في ستالينغراد لن تشكل مادةً لأول أعماله الأدبية. فبعد الحرب، سيتجه إلى دراسة الأدب في "معهد غوركي"، لينشر مجموعة قصصية عام 1953 بعنوان "على ضفة النهر الكبير"، فتكون أول إصداراته الأدبية.

"الثلج الحار" (ترجمة الروائي العراقي الراحل غائب طعمة فرمان، دار المدى) كانت ثالث رواياته بعد "صمت" (1962) و"اثنان" (1964). ويتفق النقاد على أنها أفضل ما كتب. فبونداريف كان واحداً ممن يمثلون تياراً جديداً في الكتابة الروسية بعد الحرب. لكن الكاتب الذي شاكس السياسة السوفييتية في بعض الأحيان وكان معارضاً، لن يُخرج ذاكرتَه من الحرب، ولا إنسانه حتى.

ما يمايز "الثلج الحار"، هو عدم وقوعها في إغراء الحدث التاريخي، رغم أنها تتناول معركة أثارت لعاب الكثير من أمراء الحروب لاحقاً. هذا التجاذب بين التاريخ والأدب حسمه بونداريف في عمله هذا بدرجة عالية جانبتْه في رواياته الأخرى. فالكاتب تمسّك بالدراما، بعلاقات الحب والصداقة والوفاء والسلطة والعزيمة والقوة؛ مشدداً في الوقت عينه على إبلاغنا بأن الجنود، الذين طالما عرفناهم في كتب التاريخ شجعاناً وأبطالاً في ستالينغراد، هم أيضاً أشخاص مرتبكون، خائفون، قلقون، مترددون أحياناً ومنكسرون إزاء الموت.

ضابط المدفعية الشاب كوزنيتزوف (18 عاماً)، وهو شخصية رئيسة في العمل، قد يكون كسرة من مرآة كبيرة تحمل شخصية الكاتب نفسه. لكن حضوره الإنساني لن يبرز إلا من خلال تواصله مع شخصيات أخرى، كالضابط القوي والعنيد درازدوفسكي وتانيا الممرضة والجندي غولوفانوف والأب وآخرين.

هذا التقارب الإنساني، ينبش النواحي الرومنطيقية ويجعل من الجنود خلية تتقاسم ذكرياتها واهتماماتها وأحلامها الاخيرة قبل "الموت"، وحنينها إلى العائلة والأبناء، ويبرّر مخاوفها. مقابل هذا، فإن الوجه الإنساني في خلية القادة الأعلى رتباً نجده أكثر انكماشاً، رغم الحساسية التي تقع فيها أحياناً (مثل القائد الأعلى الذي فُقِدَ ابنه الجندي في إحدى المعارك).

المساهمون