وانقسم شارع الحبيب بورقيبة بين الفئات الاجتماعية التي تندّد بغلاء المعيشة وتطالب بالتشغيل وإنصاف جرحى الثورة وشهدائها، وأخرى حزبية، منها حركة النهضة والتيار الديمقراطي والجبهة الشعبية. وكان المشهد احتفالياً من جهة إذ تعالت الموسيقى والرقص، وغاضباً من جهة أخرى احتشدت فيه التجمعات المنادية بإسقاط قانون موازنة 2018.
واختارت عائلات الشهداء وجرحى الثورة التذكير بمطالب أبنائها الذين دفعوا دماءهم من أجل هذه الثورة، حاملين صورهم. في حين حضر المطالبون بالتشغيل، ومنهم الخريجون، خصوصاً الناجحين منهم في مناظرة "الكاباس".
شباب تونس لن يفقد الأمل
على الرغم من الواقع الصعب الذي يعيشه شباب تونس من بطالة وتهميش وإقصاء، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل في إيصال أصواتهم وتحقيق مطالبهم التي ظلت معطلة رغم مضي كل هذه السنوات.
ويؤكد مهندس الإعلامية العاطل عن العمل، مالك دبوني، لـ"العربي الجديد"، "إن الأمل سيظل متواصلاً، والشباب التونسي حمل المشعل لإعطاء الأمل لبقية شباب العالم بتقرير مصيره، والأبواب لا تزال مفتوحة للتفكير بصوت عالٍ، ووضع المطالب فوق الطاولة، وتذكير السياسيين بأولوية هذه المطالب وبأحقيتهم في التشغيل".
ويقول عبد القادر العلّاقي، عاطل عن العمل من محافظة القصرين، إن وضعية شباب بلده لا تخلو من إقصاء وتهميش، و"مع ذلك سيقود الشباب التغيير، والأمل لا ينقطع أبداً في التشغيل والعيش الكريم".
وتقول شقيقته التوأم فاطمة العلاقي إنها بعد سبعة أعوام على الثورة لم تر أي تقدم يشعرها بمكاسب للشباب، مبينة أن لديها أملاً في الشباب، شرط أن تتوفر لهم الآليات والفرص. وتجد فاطمة أنّ "أكبر عائق أمام الشباب اليوم هي البطالة التي تدفع بعضهم إلى التخريب والعنف".
ويؤكد نضال الغماري (20 عاماً)، من منزل بوزلفة ولاية نابل وسط تونس، أنه لم يلمس أي تحسن في الأوضاع الاجتماعية في تونس منذ الثورة، معرباً عن أمله في أن يقود الشباب البلاد نحو التغيير الحقيقي، لأن تونس تضم الكفاءات الشابة القادرة على المساهمة في بناء الدولة.
ويعتبر محمد فهمي العرفاوي أن الشباب نجحوا في مناظرة "الكاباس" التي تتيح لهم التدريس، وهم اليوم يطالبون بالانتداب الفوري في العمل مع التكوين المستمر، معتبراً أن القول إنهم يرفضون التكوين غير صحيح، وإن من بينهم حملة شهادة دكتوراه ومن أصحاب كفاءات وقادرين على العمل. ويلفت إلى أن تحركات أخرى ستنظم يوم 16 يناير/ كانون الثاني الجاري في كافة المحافظات التونسية، للمطالبة بتحقيق مطالبهم وإيصال صوتهم.
ويطالب التلميذ بلال بتحسين وضعية المدارس وتطوير التعليم، ليتمكنوا من بناء المستقبل، إلى جانب تحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لتتمكن العائلات التونسية من مجابهة غلاء الأسعار، معتبراً أن صوت الشباب لا يصل إلى المسؤولين الذين يتعمّدون تغييبهم عن البرامج التي يقومون بها.
حضور سياسي... وأهالي الشهداء والجرحى
فلسطين لم تغب عن احتفالات تونس، فرفعت الأعلام الفلسطينية والتونسية وتعالت الزغاريد وأغاني المقاومة. من جهتها أبّنت حركة النهضة الشهيد محمد الزواري الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في صفاقس، وأشادت بابنة فلسطين عهد التميمي، مذكرة أيضاً بنضالات الشعب الفلسطيني ومساندة الشعب التونسي له في محنته، فكانت القضية الفلسطينية حاضرة اليوم في ذكرى الثورة التونسية.
"حق الشهيد، لن أسامح"، "حق الجريح واجب"، "يا شهيد لا تهتم الحرية تفدى بالدم"، "يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح" هي بعض الشعارات التي رفعتها عائلات شهداء وجرحى الثورة.
واختارت النائبة عن التيار الديمقراطي، سامية عبوان، أن تكون وسط عائلات الشهداء والمحتجين، معتبرة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّه "كان من الأجدى أن يكون اليوم احتفالاً حقيقياً، ولكن بالنسبة لعائلات الشهداء لا يزال الجرح ينزف، ويكررون السؤال ذاته وهو من قتل أبناءهم؟"، معتبرة أن الإرادة غير متوفرة لكشف الحقيقة.
وشاطرها الرأي النائب عن التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن ما يفسر غضب المواطن التونسي اليوم هو أن الثورة لم تحقق الكرامة للتونسي، ولا استقرار الأوضاع الاجتماعية، لذلك هناك احتفال وغضب من قبل التونسيين. وأشار إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت في جهات وأحياء تونسية عدة هي الدليل على الغضب والمطالبة بتغيير السياسات والمضي في الإصلاحات.
واعتبر أن الوعي موجود، والتونسي يشعر اليوم أنه سيد المواقف، وعليه متابعة ومراقبة الحكومة والمطالبة بتحسين أوضاعه.
وأوضح جريح الثورة، ويدعى عمارة نصراوي، أنهم حتى اليوم ينتظرون صدور قائمة جرحى وشهداء الثورة، معتبراً أن عدم الكشف عن القائمة بعد مرور سبعة أعوام أمر غير مقبول، محملاً الحكومة مسؤولية تباطؤ هذا الملف الذي كان من الأجدى أن يعطى أولوية قصوى، نظراً إلى ما قدمه الشهداء والجرحى من تضحيات في سبيل الثورة.
ووجد القيادي من حزب المؤتمر، مراد المولهي، أن المشهد العام يضم كل الأطياف السياسية، بعضها يحتج وبعضها يحتفل، مبيناً أن تونس في مخاض، وهذا المخاض صحي وليس سلبياً، معتبراً أن كل التحركات والاحتجاجات تحصل في إطار الديمقراطية، وأن أي ولادة تكون عسيرة في البداية، وقد تخلف تدافعاً وصراعات، لكن على الرغم من ذلك هي مسار ضروري للديمقراطية.
وقال: "إن التجربة التونسية تظل أفضل من عديد من الدول التي أريقت فيها دماء وعمّتها الفوضى، وبالتالي فإن التجربة التونسية ناجحة وتواصل مسارها الديمقراطي الذي لم يكتمل بعد". ورأى أن التونسي يعي جيداً حقوقه وواجباته، وهو مثقف ويؤمن بالمستقبل ويعرف أن مستقبل تونس سيكون جيداً.
واعتبر الناشط السياسي مصطفى بن شعبان أنّ ذكرى الثورة هي فرحة ولا يجب أن تموت، مبيناً أن اليوم هو يوم عيد ويوم غضب، وما يحدث يساهم في بناء تونس، مشيراً إلى أن الاحتفال سيستمر وذكرى الثورة كذلك.
وأوضح المتحدث أنه "منذ الاستقلال وحتى اندلاع الثورة لم تكن هناك ديمقراطية ولا تداول للسلطة، لكن تونس تعيش اليوم ديمقراطية حقيقية، ورغم أن بعضهم لا يريد لها النجاح لكنها ستنجح"، لافتاً إلى أن "غياب بعض السياسيين عن احتفالات ذكرى الثورة مبرر، خصوصاً أنهم قصروا في حق الشعب والبلاد، ونزولهم إلى الشارع قد يرافقه نقد وهذا لن يتحملوه".
ورأت سمية الغنوشي أن التونسيين مستمرون في مطالبهم من أجل تحقيق مزيد من المكاسب التي جاءت بها الثورة، مشيرة إلى تحقيق مكاسب على المستوى السياسي وقطع أشواط في حل كثير من المشاكل. وأكدت على تضافر الجهود لحل المشاكل الاجتماعية، ومواجهة التحديات التنموية والاقتصادية.
واعتبر رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّهم يشاركون التونسيين احتفالاتهم بذكرى الثورة، معتبراً أن العلاقة بين النهضة ونداء تونس هي علاقة شراكة وتوافق من أجل مصلحة تونس، وأنهم مع ذلك سيتنافسون سياسياً في الانتخابات.
ورأى أن حكومة الشاهد هي حكومة وحدة وطنية، وأن النهضة تساند الحكومة في حربها على الفساد والمفسدين.
وبيّن أن من يدعون إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها عليهم أن يجهزوا أنفسهم للانتخابات البلدية ويؤجلوا هزيمتهم سنة أخرى، معتبراً أنّ عليهم تقديم برامج تساعد التونسيين في حياتهم وتساهم في استكمال المسار الديمقراطي.
وأشار الهاروني إلى "وجود أطراف خارجية تريد إيقاف هذا التوافق وإفشال الديمقراطية وإبعاد تونس عن الإصلاحات، ولكن رئيسي الدولة والحكومة رفضا هذه الدعوات"، لافتاً إلى وجود مخطط سياسي لخلق مناخ متوتر في الشارع والدفع إلى التخريب وإسقاط الحكومة.