استمع إلى الملخص
- رغم الإجراءات الأمنية والقضائية، تستمر النزاعات، حيث سجلت ذي قار أكثر من 100 نزاع عشائري في 2024، مما يهدد النسيج الاجتماعي والاستقرار.
- يُستغل الوضع لابتزاز الأثرياء، ويُعتبر "الدكة العشائرية" إرهابياً، لكن تطبيق القانون يواجه تحديات، وهناك دعوات لحل النزاعات قانونياً.
لا تهدأ الصراعات القبلية والنزاعات العشائرية جنوبي العراق، رغم التوصيات الأمنية والقرارات القضائية المشددة لمنع استخدام السلاح من قبل بعض العشائر، وتسبب عادة مقتل وجرح العشرات من المدنيين بالإضافة إلى أضرار مادية في الأملاك، وتعطيل الحياة العامة، حيث شهدت بعض المناطق نزاعات تكاد تقترب من حرب الشوارع في بعض الأحيان، مما استدعى تدخل قوات الجيش لفضها.
وشهدت الأيام الماضية تسجيل نحو 5 نزاعات مسلحة بين عشائر متفرقة، منها ما حصل في منطقة أبو الخصيب بمحافظة البصرة وأصيب من جرائه عدد من المدنيين، كما شهدت مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، نزاعين، الأول في منطقة الإسكان الصناعي، ولم تُعرف طبيعته وقُتل على إثره شاب واحد، والثاني تداوله الإعلام المحلي، وقع شمالي المدينة، وقتل وأصيب خمسة آخرون بجروح في الحصيلة النهائية للنزاع الذي كان سببه منشور في "فيسبوك"، وقد فرضت القوات الأمنية سيطرتها على منطقة الحادث.
وفي مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، جنوب العراق، تجدد صراع عشائري بين عشيرتي الصفران والبركات، بسبب خلاف حول أرض، هاجمت على إثره عشيرة الصفران، منازل عدد من أفراد عشيرة البركات القريبة من منطقة الجزيرة، واستخدمت الرصاص الحي وبكثافة، وفقاً لمصادر صحافية، فقد تدخلت لجنة حكومية للكشف على منطقة الجزيرة المتنازع عليها بين العشيرتين.
محافظات تتصدر الاشتباكات العشائرية في العراق
وأمس الاثنين، نقل موقع "الجبال" الإخباري المحلي في العراق، عن مدير شؤون العشائر في محافظة ذي قار، العقيد قاسم السعيدي، تسجيل أكثر من 100 نزاع عشائري في المحافظة منذ بداية عام 2024 حتى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وقال السعيدي إن "النزاعات العشائرية التي شهدتها المحافظة خلال الأشهر العشرة الماضية بلغت 110 نزاعات، تم حسم 95 منها بين أطراف النزاع، فيما تبقى 15 نزاعاً في طور التسوية، إما عن طريق تسليم القاتل أو من خلال العطوة (الهدنة العشائرية)".
وبحسب مصادر أمنية من محافظات أخرى جنوبي العراق، فإن "البصرة والمثنى وميسان، لا تختلف كثيراً عن مدينة الناصرية، إذ إنها تشهد نزاعات باتت تُسجل أكثر من مرة في الأسبوع الواحد، ويزداد التوتر في تلك المناطق من جرّاء استخدام الأسلحة والقذائف والصواريخ محلية الصنع"، مبينة لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات الأمنية والقضائية المشددة لم تشكل رادعاً لكثيرٍ من العشائر التي تسعى إلى حل مشاكلها وخلافاتها عبر السلاح".
واقعياً، تتصدر محافظات ميسان وذي قار والبصرة، المحافظات التي تشهد مثل تلك المواجهات، والتي تُستخدم في بعضها أسلحة متوسطة، إلى جانب قذائف الهاون. ويبدي مسؤولون وشيوخ عشائر مخاوف من التأثيرات السلبية لعدم القدرة على وضع حدّ للنزاعات العشائرية التي تسجل في البلاد، وتحديداً في الوسط والجنوب، مؤكدين أن أسبابها تتخطى أحياناً الخلاف العشائري البحت، حيث إن الصراع بين شبكات تهريب البضائع والمال والمخدرات، بالإضافة إلى توترات تدعمها أحياناً أطراف سياسية.
النائب عارف الحمامي: هناك من يتجاوز على إجراءات الدولة وقرارات العشيرة
في السياق، قال عضو البرلمان العراقي عارف الحمامي، إن "واحدة من الإشكاليات الأمنية والاجتماعية في المدن العراقية، وتحديداً مناطق جنوب البلاد، هي النزاعات العشائرية، إذ تشكل خطراً كبيراً على النسيج الاجتماعي والاستقرار، كما أنها تؤثر على سير العمل لأجل تأسيس بنى تحتية والتحول"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "بعض العشائر والمحسوبين على العشائر الأصيلة، يستخدمون السلاح الخفيف والمتوسط، وهذا السلاح يؤدي إلى فزع وإصابة المدنيين والإضرار بممتلكاتهم".
وأكمل الحمامي، أن "المسؤولية تقع على عاتق الحكومة وأجهزتها الأمنية بالدرجة الأساس، لأنها مسؤولة عن تطبيق القانون وفرضه على الجميع، وعدم التهاون في معاقبة أي مسيء أو متجاوز على القانون"، مشيراً إلى أن "معظم وجهاء وشيوخ العشائر المعروفين لا يقبلون باستخدام السلاح، وأنهم يحاولون منعه، لكن هناك من يتجاوز على إجراءات الدولة وقرارات العشيرة، وللأسف فإن هذه التجاوزات أخذت بالتزايد، لذلك زادت النزاعات العشائرية".
من جانبه، أشار الناشط المدني من محافظة ذي قار علي الغزي، إلى أن "المحسوبين على العشائر المعروفة هم الذين أثروا على سمعة العشائر العراقية المعروفة، وقد دخل بعضهم على خط ابتزاز الأثرياء والتجار، وقد تكشفت بعض هذه القصص خلال الفترة الماضية، وملخصها أن جماعات تدعي أنها من عشيرة معينة تبتز رجال أعمال، وحين لا يحصلون على المال، يقدمون على الاعتداء عليه، ليتحول الموضوع إلى عشائرية ومن ثم التوصل إلى تسوية مالية، أو ما يُعرف محلياً في البلاد بـ(الفصل العشائري)، وبما أن الموضوع تطور إلى هذه المرحلة، فإنه سيتزايد لأنه تحول إلى عمل مربح".
وأوضح الغزي لـ "العربي الجديد"، أن "بعض العراقيين يلجؤون إلى الأحكام القبلية والعشائرية والدكة والتجاوز والفصل وغيره من سلوكيات العشائر، بسبب الإجراءات القضائية الرسمية التي عادة ما تحتاج إلى وقت، لكن القرار العشائري يمكن الحصول عليه بعد اجتماع لا يتجاوز ساعة، وبالرغم من التسهيلات القضائية وتشديد العقوبات على المخالفين إلا أنها ما تزال بحاجة إلى إعادة نظر، لتشجيع العراقيين على حل مشكلاتهم عبر القانون وليس عبر العشائر والسلاح".
وتُعتبر النزاعات العشائرية في مناطق جنوب العراق ووسطه، إحدى أبرز المشكلات الأمنية التي تعانيها تلك المناطق، إذ تحصل بين وقت وآخر مواجهات مسلحة تُوقع قتلى وجرحى بين عشائر مختلفة، لأسباب يتعلق أغلبها بمشكلات الأراضي الزراعية والحصص المائية، يُستخدم فيها أحياناً سلاح متوسط وقذائف هاون، والقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف.
وفي عام 2018 اعتبر القضاء العراقي (الدكة العشائرية) فعلاً إرهابياً يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن هناك عشائر كبيرة تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة لا يسري عليها القانون، وحتى القوات الأمنية تخشى محاسبتها. و"الدكة العشائرية" هي عمل يتلخص بقيام أفراد من عشيرة معينة بتهديد مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، يحذِّره تحذيراً شديداً لدفعه إلى الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.