التلميذ والدرس: مالك حداد مفككاً لغز الأبوة

25 سبتمبر 2014
مالك حداد (بورتريه لـ الطيب العيدي)
+ الخط -
ظهر جهد الكاتب والمترجم الجزائري شرف الدين شكري جلياً، في نقله رواية "التلميذ والدرس" من "منفاها" الفرنسي إلى اللغة العربية (روايات الهلال)، وذلك ببقائه وفياً للغة الكاتب الجزائري مالك حدّاد (1927 ـ 1978) المعروفة بأنها تشير ولا تصرّح، وتلتقط المعنى طازجاً بعيداً عن قشور البلاغة. من جهته، بقي حداد وفياً، في هذه الرواية التي صدرت عام 1960، لرؤيته في الكتابة التي تروم تحرير الضمير الإنساني من الخوف وهو يعبّر عن وجوده.

لا معالم واضحة للمكان سوى أنه "مدينة صغيرة ناعسَة" في فرنسا، قليلة الأصوات، يبقى أكثرها هيمنةً صوت الطبيب "إيدير" وهو يتحدّث عن الحياة وابنته التي تبلغ من العمر 22 عاماً، فلا ندري أحياناً أيّتهما يقصد. إنه تداخل "الأنساغ/ الأصوات"، بالمفهوم الجمالي للتداخل، وهو ما يرافق القارئ على مدار الرواية.

"سوفَ أنصِتُ. سوف أنصتُ ملياً. ليس لي أن أتحدّثَ عن فظاعة صمتي"، وهو في الحقيقة يقصد بصمته أن يحدّث نفسه، يلومها، يذكّرها، يهددّها، يُمنّيها، يقف إلى جانبها وهي تحاول أن تفهم اللغز، وأيّ لغز؟ لغز الأبوة والبنوة والحياة.

"شرعيتي الوحيدة أستمدُّها من عاطفتي نحوها"، لذلك يجهد نفسه في البحث عن شرعية أخرى معها، وهي "الجميلة والثائرة، المرأة الناضجة". لكنه يفشل في إيجادها (الشرعية الإضافية) وينجح في البقاء على رفض فشله. ولعلّه من المسموح لنا أن نقول إن هذه الرواية نص رفْض الفشل بامتياز. نص كتبه حداد في مفصل مصيري من حياة الإنسان الجزائري (سنتين قبل تقرير المصير الوطني).

لقد عوّدنا صاحب "سأهبكِ غزالة" على الربط بين الأرض/ الوطن وإنسانه. لذلك فإنه من التعسّف أن نقرأ ملامح شخوص الرواية بعيداً عن كونها ملامحَ وطن يصارع ذاته من أجل ألا تستسلم، أو تتردّد، أو تخاف، أو تساوم، أثناء لحظة ذهابها إلى المستقبل، وإن اقتضى الأمر أن تطرح ما في "الأحشاء" مما يشكّل عبئاً عليها، حتى وإن كان من "دمها"، فلتفعل ولا تتردّد.

و"فضيلة"، الفتاة المنخرطة في صفوف الثورة الجزائرية، تقرّر أن تتخلص من جنينها، فتقصد أباها الطبيب المقيم في المدينة الفرنسية الصغيرة الناعسة منذ عام 1945، ليساعدها على الإجهاض، لكنه يرفض الفكرة، ويبذل جهداً خارقاً من أجل أن تبقي عليه، على غير المتوقع تماماً، لأنه ذو روح جزائرية محافظة، من طينة تتعامل مع الحمل من غير زواج على أنه فضيحة وعار.

جنّد مالك حدّاد كل الكلمات العميقة ليرصد خفايا الصراع النفسي والفكري، في لحظات مكاشفة قاسية، بين الأب وابنته، تصل أحياناً إلى تنصُّل أحدهما من الآخر: "لستُ طبيباً لها. لستُ أباً لها بما يكفي، ليست ابنتي كلية"، لكن سرعان ما يتغلب القلب على العقل فتعود "الأواصر".

نذكّر بأنه سبق لشكري أن ترجم منتخباتٍ من أشعار مالك حدّاد، كما أصدر كتاباً تحت عنوان "الحياة هي موت أحد ما" قارب فيه جماليات الكتابة عند صاحب "رصيف الزهور لا يجيب".

المساهمون