التلفزيون في مصر: تراجع في المهنية وتطوّر في الانقسام

21 نوفمبر 2014
دخل الإعلام منعطفاً خطيراً بعد 30 يونيو/حزيران (يوتيوب)
+ الخط -
شهد الإعلام المرئي المصري بعد ثورة "25 يناير" انفتاحاً كبيراً تعويضاً عن حالة التضييق التي شهدها خلال مرحلة الرئيس المعزول حسني مبارك، فانطلقت العشرات من القنوات الخاصة واختلف الخطاب ليتناسب مع المرحلة الجديدة المتغيرة على جميع الأصعدة.
وقد اعتمدت تلك القنوات على وجوه شبابية تعتبر جماهيرية، وخصوصاً من الناشطين السياسيين. وانتشرت ظاهرة الاعتماد على مواقع التواصل كمصادر للتوثيق، مثل نشر فيديوهات أو شهادات حية لما يحدث في الشارع. وأخذت بعض البرامج تميل للتفاؤل بمصر المستقبل، بينما تسابقت برامج أخرى في محاولة لاستقطاب المواطن المصري ودغدغة أحلامه.
ولا يخفى على أحد أن من يمول تلك القنوات هم رجال أعمال مصريون، لذا حرصت طوال فترة بثها على حماية مصالحهم. وطفت على السطح حالة من الفوضى والارتباك، التي تسابق أصحابها لاقتطاع أكبر قدر من الكعكة قبل صدور قانون لتنظيم الإعلام، في ظل الحالة الانتقالية. وتنوع ضيوف البرامج الحوارية من كافة التيارات، خصوصاً الدينية التي كان ظهورهم ممنوعاً قبل الثورة.
وفي خضم كل ذلك، اعتبر التغير الذي طرأ على التلفزيون المصري شكلياً لا نوعياً، بسبب الافتقار لاستراتيجية إعلامية واضحة المعالم، فظهرت القنوات وكأنها كل يغني على ليلاه، ما أدى إلى تشتيت المشاهد، الذي رآها تقع ثانية في دائرة التكرار الممل. وتوصلت القنوات المصرية الجديدة إلى نوع من اليقين الكاذب في إصدارها لاتهامات باطلة ضد كل من يخالف مصالحها، ووصل بها الأمر إلى حد الابتذال، مستغلة الحريات الجديدة بعيداً عن تحمل أي مسؤولية أخلاقية تجاه رسالة الإعلام المرئي.
في المقابل، ظل التلفزيون الرسمي المصري يغرد خارج السرب، إذ واظب على ارتداء اللباس القديم بإكسسوارات ثورجية فضفاضة لا تخفى على عين المراقب، فهو يحافظ على وجوده كقلعة حصينة للدفاع عن النظام القديم ومحاولة استرجاعه.
ودخل الإعلام المرئي منعطفاً خطيراً بعد 30 يونيو/حزيران 2013، إذ تقلصت مساحة الحريات الإعلامية وعاش التلفزيون المصري حالة استقطاب سياسي وساد في الإعلام الخطاب التجييشي، ما تسبب في تجذير الانقسام في الشارع المصري سياسياً وثقافياً للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وانتشرت في بعض الوسائل لغة الاتهامات والتخوين والشتائم والتحريض، وتحوّل المذيع إلى خطيب ناصح عارف بمكامن الأمور يتحدث أكثر من ضيوفه ويوجههم بعيداً عن قواعد المهنية، ليعود الإعلام المصري إلى التسييس الذي كان سائداً أيام مبارك.
حتى الساعة لا يبدو واضحاً إن كان ما وصل إليه الإعلام المصري حالياً هو فترة مؤقتة نتيجة التحولات السياسية والاجتماعية التي طرأت في السنوات الأخيرة أي منذ ثورة 25 يناير حتى اليوم، أم ستستمر هذه الفوضى الإعلامية، التي يسيطر عليها من جهة الإعلام الحكومي المسخّر لأجندة النظام الحاكم، ومن جهة أخرى القنوات الخاصة التي يسيطر عليها رجال اعمال يستميتون في الدفاع عن مصالحهم السياسية والاقتصادية، ليتم نحر الحريات والموضوعية والمهنية على مذبح المصالح السياسية
المساهمون