بعدما ظن الكثيرون أن ثورات الربيع العربي قد انطفأت، تعيد الضائقة المالية والأزمات الاقتصادية والمعيشية هبات الشعب في كل من السودان والجزائر والأردن وتونس، حيث يحاصر الغلاء والضرائب وبرامج التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي الطبقات الوسطى هناك، كما تحاصرها في دول عربية أخرى منها مصر والأردن وتونس.
وتواصل برامج التقشف والضرائب المتزايدة وتدهور القيمة الشرائية للعملات، الضغط على ميزانيات العائلات المنتمية للطبقات الوسطى وفئات العمال في العالم العربي وتجبرها على اتخاذ قرارات مؤلمة بشأن الإنفاق الاستهلاكي. وتبعاً لذلك تهدد بثورات جديدة في العالم العربي، ربما تتخطى السودان والجزائر.
وتقع معظم الدول العربية، عدا النفطية، تحت وطأة ديون صندوق النقد الدولي التي بلغت 57 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي حسب "وول ستريت". وهذه الديون مشروطة ببرامج تقشفية قاسية تطالب الحكومات العربية بخفض الدعم عن السلع والخدمات الضرورية وزيادة الضرائب وتقليل الإنفاق الحكومي. وهو ما ينعكس سلباً على الطبقة الوسطى وذوي الدخول المنخفضة.
في مصر يحتاج الموظفون من أفراد الطبقة الوسطى لشغل وظيفتين حتى يتمكنوا من تلبية احتياجات عائلاتهم، كما توقفت العائلات عن الترفيه وقللت من الوجبات في المطاعم. وقال أساتذة جامعات لصحيفة "وول ستريت" في ديسمبر/ كانون الأول، إن مستوياتهم المعيشية انخفضت ولم يعودوا يحسبون أنفسهم من الطبقة الوسطى وإنما من الطبقات الدنيا.
وفي الجزائر التي تتواصل فيها الاحتجاجات المطالبة بالتغيير الجذري، يرى الخبير الاقتصادي والمستشار لدى الحكومة الجزائرية، عبد الرحمان مبتول، أن "حراك الشعب أشعلته الطبقتان الوسطى وضعيفة الدخل".
ويضيف أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الطبقة الوسطى وطبقة العمال هي التي غذت الحراك السياسي الجاري الآن في الجزائر حتى وفي بلد يتكون معظم سكانه من الشباب تحت سن 35 عاماً، يبحث المواطنون عن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص المعيشية، حيث يتقاضى أغلب الجزائريين رواتب أقل من 35 ألف دينار (الدولار = 120 ديناراً)، في وقت تقر كل الدراسات التي أعدتها المعاهد الإحصائية باستحالة صمود هذه الرواتب أمام غلاء المعيشة".
وشهدت الجزائر، في السنوات الأخيرة، ظهور طبقة "الأغنياء الجدد"، قابلها زوال بطيء للطبقة الوسطى، بسبب تراجع المستوى المعيشي، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، بسبب تراجع الدينار أمام العملات الأجنبية وغلاء المعيشة، وانتشار الفساد والممارسات الاحتكارية.
وحمل الجزائريون صور شخصيات ورجال أعمال ارتبطت أسماؤهم بملفات الفساد في المظاهرات الصاخبة، كوزير الطاقة الأسبق شكيب خليل المتورط في قضية سوناطراك النفطية، وعلي حداد الرجل الأول في الكارتل المالي المساند للرئيس بوتفليقة، وأرفقوا الصور بشعارات تطالب باسترجاع الأموال.
ويعاني أفراد الطبقة الوسطى في تونس من غلاء الأسعار وارتفاع الضرائب. وفي العام الماضي، أقرت الحكومة التونسية زيادة في أسعار المحروقات، وبدأت العمل بقانون المالية الجديد المتضمن زيادات في ضريبة القيمة المضافة وضريبة أخرى على الاستهلاك وضرائب الشركات والرسوم الجمركية، إضافة لاقتطاع 1% من الرواتب.
وبالنظر إلى تحرير أسعار 85% من السلع والمنتجات وضعف رقابة الدولة على مسالك التوزيع، استغل العديد من المحتكرين الصخب المتداول حول ارتفاع الأسعار والزيادات العشوائية في السلع الفلاحية وغير الفلاحية، مما أدى إلى انفلات الأسعار وارتفاع التضخم.
ولم تنج الطبقة الوسطى حتى في بعض الدول الخليجية الغنية بالنفط من ضائقة المعيشة، ففي الإمارات مثلاً تحاصر الديون المواطن. وفي هذا الصدد، كشفت دراسة أجرتها شركة "بايفورت" التابعة لشركة "أمازون" العملاقة، أن نصف سكان الإمارات تقريباً يعانون من مشاكل الديون، بينما لا تستطيع نسبة كبيرة من غير المدينين الادخار.
وحسب الأرقام التي أعلنت عنها شركة "بايفورت" في العام الماضي، فإن نحو 46.7% من سكان الإمارات أو نحو 4.3 ملايين من السكان يعانون من مشاكل الديون، وأن نحو 12.8% من النسبة المتبقية من السكان يبحثون عن جهة تقرضهم بسبب عدم قدرتهم المالية على الإيفاء بتكاليف المعيشة. وقالت الدراسة إن 28.7% من سكان الإمارات اعترفوا بأنهم لا يستطيعون الادخار بسبب كلفة المعيشة والخدمات.