يواجه الليبيون مشقة كبيرة في الحصول على الاحتياجات الأساسية، مثل الرعاية الطبية والخدمات العامة والسلع الضرورية، في دولة غنية بالنفط ولا يتجاوز عدد سكانها 6.8 ملايين نسمة. وأدى تدهور الأوضاع المعيشية إلى تلاشي الطبقة الوسطى وزيادة حادة في أعداد الفقراء، حسب مراقبين.
وقال مدير مركز الدراسات الاجتماعية (حكومي)، علي فرحات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن معدلات الفقر ارتفعت إلى نسب قياسية وصلت إلى 45%، بسبب عوامل التهجير والنزوح، خلال الأعوام السابقة، التي تلت اندلاع الثورة عام 2011، فضلا عن تردي الأوضاع المعيشية، ما ساهم في زيادة حالات الطلاق في المجتمع، مؤكداً أن النتائج كانت لمسوحات اجتماعية قام بها المركز. وكانت معدلات الفقر في عام 2009 تقدّر بنحو 29%، حسب فرحات.
وفي المقابل، يقول الخبير الاقتصادي أحمد أبولسين، لـ"العربي الجديد"، إن معدلات الفقر مخيفة، والطبقة الوسطى تلاشت، بسبب التوسع في الإنفاق المالي على حساب التنمية. وأرجع السبب إلى عدم اتخاذ جملة من الإجراءات تدفع نحو الاستقرار الاقتصادي، منها معالجة سوق النقد، والمساهمة في تخفيض معدلات التضخم، وكذلك مواجهة البطالة.
وحدّدت ليبيا خط الفقر المدقع عند حدود 336 ديناراً (الدولار = 1.4 دينار) للشخص شهرياً عام 2007 من قبل وزارة التخطيط، مع المطالبة بضرورة مضاعفة حجم الإنفاق من 4214 ديناراً سنوياً، إلى 8544 ديناراً، وذلك بهدف رفع القدرة الشرائية. ولكن بيانات رسمية، مطلع عام 2011، تقول إن خط الاحتياج يقدّر بنحو 550 ديناراً للشخص الواحد.
ويقول الموظف علي شوبار، لـ"العربي الجديد"، إن عمره يناهز 55 سنة وراتبه يتأخر عن الصرف لمدة شهرين أحياناً، بسبب أوضاع البلاد، وأحيانا أخرى المرتب يرسل عبر المصرف، إلا أن عدم توفر سيولة نقدية يمنعنا من الحصول عليه.
ومن جانبه، يؤكد المواطن علي الفطيسي (25 سنة)، المتخرج من كلية التقنية الطبية، قسم تخدير، أنه لم يحصل على فرصة عمل منذ تخرّجه قبل سنتين بسبب عدم وجود توظيف في وزارة الصحة.
وحسب بيانات لوزارة العمل والتدريب في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فإن عدد الباحثين عن العمل، خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2018، بلغ نحو 54.142 باحثا عن العمل، في 35 مكتبًا موزعة على مختلف أنحاء البلاد، بينهم 60% إناث و40% ذكور.
ويؤكد مستشار في وزارة العمل والتأهيل بحكومة الوفاق الوطني، حسن الكاسح، لـ"العربي الجديد"، أن خريجي الجامعات الليبية يقدّر بـ20 ألف طالب سنوياً، مشيراً إلى أن مصروفات المرتبات قفزت من 8 مليارات دينار عام 2010 إلى 24 مليارا نهاية عام 2018، بينما ارتفع عدد العاملين من 900 ألف موظف إلى 1.8 مليون موظف حكومي. ويطالب رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، بتخفيف أعدادهم إلى 300 ألف موظف حكومي.
ويرى مراقبون أن معدل البطالة الحقيقي في ليبيا يزيد على 30%، في ظل تعثر الأنشطة الاقتصادية، وإحجام المستثمرين عن دخول السوق، بفعل العنف الدائر والاحتجاجات غير المسبوقة والمدعومة بالسلاح أحياناً.
وتمثل صادرات النفط الخام ما يعادل 96% من إجمالي الصادرات الكلية للاقتصاد الليبي، كما تسهم عائدات النفط في الإيرادات المالية للبلاد بنسبة 95%. وارتفعت عائدات النفط إلى 24.4 مليار دولار عام 2018، بزيادة 78% عن سنة 2017، حسبما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط.