"اللوحات التي تركها أسلاف التبو على صحائف الجبال وصفائح الصخر أصبحت لغزاً فنياً. قال لي ناقد فنّي: لم أجد أروع من هذه اللوحة في تاريخ الفن التشكيلي على الإطلاق، شرقاً أو غرباً. كان صديقي يعني لوحة الرعاة الشهيرة المكتشفة في العوينات"- العبارة السابقة لمينا تسكدي تتحدث عن نقش حجري على الجبال رسمه أسلاف الليبيين منذ زمن سحيق.
اللوحة نشرت في العدد الجديد من مجلة تبو، الصادر حديثاً عن "مركز الدراسات التباوية"، وهو مؤسسة بحثية تختص بالبحوث والدراسات التي من شأنها تطوير المعرفة بقضايا التبو الثقافية والاجتماعية بما يساهم في إشراك قبائل التبو الليبية في الاضطلاع بدورها الوطني في ليبيا، بعد تهميش عقود طويلة.
وإن كنا قد عرفنا الكثير عن مكوّن الأمازيغ نظراً إلى نشاطهم الدولي المكثف منذ سنوات، وإلى امتداد هذا المكون في بلدان سمحت لهم بهامش من الحرية المتعلقة بالخصوصية كالجزائر والمغرب؛ إلا أن مكوّن التبو ظل مجهولاً بالنسبة لنا، نحن شركاء الوطن العرب الليبيين، نظراً إلى التعتيم المتعمد على قضيتهم والصراع القبلي الذي يخوضونه في الجنوب والمشاكل المتعلقة بالهجرة والمرتبطة بدول أفريقية على حدود ليبيا، كالتشاد والنيجر.
تحاول المجلة إضاءة مكوّن التبو، والتشديد على أن التبو جزء من النسيج الليبي الذي لا ينبغي أن ينفصل. ويلخّص رئيس التحرير عبد الله لبن في افتتاحية العدد رؤى التبو في ما يجري الآن من أحداث في ليبيا بقوله: "الحرية قضية لا تفاوض بشأنها، الديمقراطية خيار لا عودة عنه، ووحدة البلاد هي الحد الفاصل بين الوطنيين الحقيقيين والأدعياء".
وحول التاريخ النضالي للتبو على مر التاريخ يضيف لبن: "أسلافنا هم الذين قاوموا الرومان إلى أن اضطرتهم الأحداث وسطوة إمبراطورية روما إلى النزوح جنوباً، وهم الذين استقبلوا طلائع الإسلام خير استقبال... وأجدادنا هم الذين حملوا راية الوطن عاليا ليقاوموا الغزو الايطالي والفرنسي... لقد قدمنا أرقى صور التضحية وأمثلة الفداء لا من أجل التبو فقط لكن من أجل ليبيا الغالية كلها".
ومن أبرز الأخبار التي تحملها المجلة، الإعلان عن قرب صدور المعجم العربي التباوي والمعجم التباوي العربي عن مركز تدا للدراسات والابحاث التباوية.
تنوعت مواد المجلة بين السياسي والاجتماعي والتاريخي والتراثي، إذ يبدأ العدد بمادة بعنوان ملامح من تراث التبو للكاتبة عائشة حسين صوكو تتناول فيها الطقوس والعادات والتقاليد والإجراءات التي تصاحب حفلات الزواج لدى قبائل التبو. وتنشر المجلة مقالة بعنوان "بين الأكراد والتبو"، تتناول قضية الأكراد وما تتشارك فيه مع قضية التبو. كما نقرأ أيضاً مادة بعنوان الفن الصخري في ربيانة.
نقرأ في العدد مقالة عن "الهجرة غير الشرعية" بعنوان "تفسخ الدولة" للكاتب أولف ليسينج. كما تتناول المجلة قضية تخريب الآثار الليبية في جبال أكاكوس بعنوان "لصوص اكاكوس"، إلى جانب مادة تاريخية تتناول الإحصاءات السكانية في تاريخ ليبيا الحديث لعائشة حسين، ومادة تتناول تاريخ بلاد النوبة.
كما يقدّم العدد صوراً بالأبيض والأسود، لمشاهد من مدن الصحراء الليبية في القرن التاسع عشر، للرسام الرحالة بارث. أما أحمد إلياس حسين فنقرأ له مقالة بعنوان "سكان افريقيا والصحراء الكبرى".
وفي قسم الجغرافيا تنشر المجلة خريطة نادرة تعود إلى عام 1802 من وضع "أ . أروسميث" كانت تمتلكها "الجمعية الجغرافية البريطانية" وتحدد مواقع الاستكشافات الجغرافية التي قامت بها فرق البحث الاوروبية في مطلع القرن التاسع عشر، إذ تحدد الخريطة مواقع وجغرافيا قبائل التبو.
هذه القبائل التي عرفت بجهادها ضد الاستعمار الفرنسي في الصحراء الكبرى والتي منها المجاهد علي أزامي، من قبيلة ماضنا، الذي جاهد ضد الاستعمار الفرنسي إبان احتلاله لتشاد في معارك العلالي وعين كلاكة وأم العظام، وكان معه من المجاهدين على سبيل الذكر عمر المختار وأحمد الشريف وعبد القادر آدم التباوي وعبدالله الطوير.
الملاحظ أنه بعد سقوط نظام القذافي، أمكن للمكونات الممثلة النسيج الليبي كمكوّن الأمازيغ ومكوّن التبو، والتي كانت مهمشة وممنوعة من أي نشاط ثقافي أو سياسي يبرز خصوصيتها؛ أن تنال جزءاً من حقوقها ومساحتها الخاصة بالهوية، فظهرت عدة صحف ومجلات وقنوات تلفزية وإذاعية تعتني بأنشطة هذه المكونات، خاصة الأمازيغ، وبرزت العديد من مراكز البحث والدراسات التي بدأت في تغطية الفراغ المعرفي الذي فرضه الديكتاتور- لأسباب سياسية تتعلق بالقبض على السلطة - طيلة 42 عاماً ليتعرف الناس في ليبيا والعالم على تاريخ وثقافة الأمازيغ والتبو.
ويذكر أن التبو مجتمع تقليدي في معظمه، يعتبر المسلمين حلفاء العقيدة والإيمان، والعرب حلفاء الأصل الأفروآسيوي، والأمازيغ حلفاء المصير الواحد، والأفارقة حلفاء الجوار. وبحكم توطّنها في الجنوب مثّلت قبائل التبو صلة وصل بين ساحل ليبيا وصحرائها.
من صفحة "تراث التبو" |