الاحتجاجات تفاقم أزمة الطاقة في تونس

16 مايو 2016
تقلص إنتاج النفط والغاز بسبب التوترات الاجتماعية (الأناضول)
+ الخط -



ظهرت على السطح آثار الاحتجاجات التي تعيشها شركات الطاقة في تونس، حيث تقلص إنتاج البلاد من النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير خلال الربع الأول من العام الحالي، حسب تقارير رسمية، ما دفع محللين إلى التحذير من التداعيات السلبية المترتبة على القطاع النفطي واقتصاد البلاد المتأزم.
وتشهد شركات طاقة عديدة حالة من التوتر الاجتماعي أدى إلى إغلاق بعضها لأسباب داخلية أو نتيجة تعمد بعض المطالبين بتشغيلهم منع المؤسسات من النشاط.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي مراد الحطاب، لـ"العربي الجديد"، إن المناخ الاجتماعي المتوتر ولد مخاوف كبيرة لدى الشركات النفطية والمستثمرين في قطاعات أخرى، مؤكدا على أن تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية ساهم في تفاقم الأزمة لدي هذه الشركات، ما قد يعجل برحيل البعض منها.

وأوضح التقرير الدوري لوزارة الطاقة والمناجم حول الوضع الطاقي، الصادر الجمعة الماضية، أن إنتاج النفط الخام في البلاد انخفض إلى مستوى 46.2 ألف برميل يومياً مقابل 53.5 ألف برميل خلال الفترة نفسها من سنة 2015، أي بنسبة انخفاض 13%.
كما تقلص الإنتاج الوطني من الغاز الطبيعي إلى 5.8 مليون متر مكعب خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 6.8 مليون متر مكعب خلال نفس الفترة من عام 2015، أي انخفاضا يقدر بنسبة 15%.



وتجد تونس منذ مدة صعوبة في تحقيق التوازن المالي بسبب الارتفاع المتواصل لعجز ميزان الطاقة واضطرارها إلى توفير مخصصات إضافية ضمن الميزانية لتوريد حاجيات البلاد من النفط والغاز في ظل تراجع عائدتها من صادرات النفط نتيجة انخفاض الأسعار العالمية.
ومنذ شهر مارس/آذار الماضي، نبهت الشركات المنتجة للطاقة في تونس، إلى إمكانية زيادة واردات الغاز الطبيعي من 65% من إجمالي الاحتياجات المحلية، إلى نحو 90%، بسبب ما وصفتها بحالة الشلل التي تشهدها الشركات المستخرجة.

وخلال الأربعة أشهر الماضية يمنع معتصمون في جزيرة قرقنة شركة "بتروفاك" أحد أهم الشركات البترولية في تونس من النشاط وإخراج شاحناتها من الحقل المستغل مطالبين بتشغيلهم في المؤسسة، ما أدى إلى تكبد الشركة إلى خسائر يومية بقيمة 200 ألف دولار فضلا عن ارتفاع حاجيات البلاد من واردات الغاز التي كانت بتروفاك قرقنة توفر 25% منها.

وأكد مدير شركة بتروفاك قرقنة، عماد درويش، في تصريحات صحافية سابقة، أن الشركة "تشتغل حاليا بنحو 170 عاملا في حين بإمكاننا العمل بـ80 عاملا فقط"، مشيرا إلى أن خسائر الشركة تصل يوميا إلى 400 ألف دينار بسبب الاعتصامات.
وإلى حدود شهر أبريل/نيسان الماضي لم تشهد الحقول النفطية حفر أية بئر استكشافية جديدة من جملة 11 بئرا مبرمجة خلال كامل سنة 2016.

وحسب محللين، فإن تونس ستلجأ إلى الجارة الغربية الجزائر لسداد النقص الحاصل من احتياجات الغاز الطبيعي، بسبب عجز الشركات المحلية على توفير الكميات المطلوبة، نتيجة تعطل الاستخراج من حقلي "صدربعل" في محافظة صفاقس جنوب شرق البلاد، الذي تستغله شركة بريتش غاز و"الشرقي" الذي تستغله شركة "بتروفاك" البريطانية.



كما توقع مدير عام شركة "بتروفاك" عماد الدرويش في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تلجأ الحكومة إلى تغطية 90% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي عن طريق الاستيراد من الخارج مشيراً إلى أن الحكومة لم تبذل أي جهد لاستعادة نشاط الشركات المعطلة رغم الأعباء المادية الكبيرة التي تتحملها الدولة، بسبب ارتفاع وارداتها.

في المقابل أفاد مدير عام الطاقة بوزارة الطاقة والمناجم رضا بوزرادة، لـ"العربي الجديد"، أن عزوف المستثمرين عن حفر آبار استكشافية جديدة قد يستوجب تعديل البرمجة في هذه السنة، مؤكدا أنه من غير المستبعد أن يتم حفر 11 بئرا في الفترة المتبقية من العام المنتظر حسب البرنامج المقرر. وتوقع ألا يتجاوز حجم الاستكشافات الجديدة 7 و8 آبار على أقصى تقدير.

ولفت المسؤول في وزارة الطاقة إلى أن واردات الغاز الطبيعي ارتفعت إلى 65%، بزيادة 10% عن المستويات السابقة، مؤكدا أن هذه الزيادة الطفيفة لن يكون لها انعكاسات سلبية على موازنة الطاقة، خاصة وأن الارتفاع يعد مؤقتا وسيتم تداركه إثر عودة الحقول إلى مستوى نشاطها الطبيعي.
وتتوقع وزارة الطاقة ارتفاع إنتاج تونس من النفط والغاز الطبيعي خلال 2016 إلى 5.1 ملايين طن مكافئ، معولة على استكشافات جديدة ستفضي إلى دخول ثلاث آبار جديدة حيز الاستغلال العام الحالي.

وتمكنت الشركات العاملة في قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة من خفض معدلات الاستيراد وتقليص عجز ميزان الطاقة الذي تعاني منه البلاد. وتستحوذ "بريتش غاز" وحدها على نحو 70% من إنتاج تونس للغاز. لكن الاحتجاجات العمالية تزيد المخاوف من تراجع إنتاج البلاد، بسبب انخفاض جدوى الإنتاج وارتفاع تكلفتها في ظل تراجع أسعار النفط والغاز عالميا.

وتعمل الحكومة على اعتماد سياسة التنويع لتوفير الطاقة باستعمال الشمس والرياح، إلى جانب مساعيها لتحسين مناخ الاستثمار بالمحروقات لتشجيع المستثمرين في هذا المجال.


المساهمون