الإعلام ومقصلة العسكر

25 يونيو 2014

صحافيو الجزيرة في قفص الاتهام (العربي الجديد)

+ الخط -

 

هل كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يتخيّل أن أحداً يصدقه، وهو يتحدث عن "القضاء الشامخ"، في تعليقه على الحكم الذي صدر في حق صحافيي قناة "الجزيرة"؟ الإجابة للأسف "نعم". هو يعلم أن كثيرين جداً في داخل مصر، على الأقل، يصدّقون. كيف لا وهو مدعم بجيش جرار من المطبلين، يحملون صفة "إعلاميين"، لا شغل لهم غير التبخير للحاكم الجديد وقراراته، منذ يوم انقلابه.

لم يلتفت هؤلاء إلى أي قضيةٍ تخص زملاء لهم، بغض النظر عن مواقفهم السياسية. لم يقفوا عند قرار "القضاء الشامخ" بسجن صحافيي "الجزيرة الإنكليزية"، ولا إلى الفبركة والتلفيقات التي حيكت حول هؤلاء الصحافيين، وبينهم أجانب. كل الحرب الإعلامية المضادة، والتي خاضها صحافيو النظام، ركزت على "دحر المؤامرة التي تحاك ضد مصر من مجموعات إعلامية ممولة خارجياً".

المشكلة أن بين هؤلاء من هو مصدّق ما يقوله، غير آبه بالمقصلة التي باتت مرفوعة فوق رأس الإعلام والإعلاميين. لا بد أن يكون من بين هؤلاء من يحدّث نفسه، ليلاً، عن أي مصيرٍ ينتظره لاحقاً، في حال تجرّأ على اتخاذ موقف مخالف، وليس مناهضاً، لنظام الحكم العسكري ذي اللباس المدني. تجارب كثيرة راهنة قد تعطي هؤلاء الإجابة الشافية، ولعل جديدها منع علاء الأسواني من الكتابة، لمجرد أنه أبدى رأياً فيه خلاف قليل مع النظام. لم تشفع للأسواني أطروحات التنظير للحكم العسكري، والمنقذ السيسي القادم على فرس، لانتشال مصر من حكم "الإخوان".

الأسواني هو المثال الفج عن كيفية تعاطي هذا النظام مع أنصار يخالفونه الرأي. لكن أمثلة أخرى كثيرة يمكن سوقها للإشارة إلى أي مصيرٍ يعتري الإعلام المصري، الذي يريدون إعادته إلى قفص النظام، بعد فورة الحرية التي عاشها في السنتنين التاليتين لثورة 25 يناير. فورة خلقت حالات إعلامية، على غرار باسم يوسف، قمعها ومنعها النظام، وبأساليب واضحة وملتوية، من دون أن يرف له جفن، وتحت أعين الرعاة الرسميين الدوليين للنظام وأنظارهم، الذين يكتفون بابداء الأسف والاستنكار.

الأسف والاستنكار نفسه أبدوه، ويبدونه، تجاه الأحكام الكيدية بحق صحافيي "الجزيرة". أحكام ستمثل علامة فارقة في مسار الإعلام المصري، لها ما قبلها وما بعدها. مرورها بهذا الشكل العابر إعلامياً وسياسياً سيفتح الباب على تكرار الأحكام بحق إعلاميين آخرين، وأكثر الأحكام قساوة، تماماً كما حصل في المحاكمات السياسية ومذابح الإعدامات التي صدرت بحق المعارضين للنظام.

بين السياسة والإعلام، المذبحة واحدة. مذبحة لن تستثن أحداً، خصوصاً أنها لا تخص طرفاً دون آخر. هي مذبحة لقتل أحلام ملايين خرجوا في 25 يناير وفي 30 يونيو، رافعين شعارات وآمالاً واحتجاجات، صادرها انقلاب 3 يوليو، ليبني عرش الديكتاتورية الجديدة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".