29 سبتمبر 2017
الإرهاب الأصولي التونسي
من حسن حظ تونس أن مجتمعها خال من الطوائف والمذاهب الدينية الملوثة بالصراعات الدموية منذ قرون، ومن حسن حظ تونس أنها تكاد تخلو من الأعراق المصابة بشهوة الاستقلال، عن حق أو عن باطل، فليست هناك أقليات عرقية ذات حجم ظاهر مقارنة بالأغلبية، ومن حسن تونس أيضاً أن قدرها ساق لها زعيماً كافح من أجل استقلالها، كان هو نفسه خارج كل الأمراض الدينية والعشائرية والطائفية والمذهبية والعرقية التي عرفها، وعماء ما بعد الاستقلال في البلدان العربية، وبعض دول أفريقيا السوداء، فقد كان الزعيم الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن فرنسا عام 1956، سياسياً علمانياً منفتحاً على حضارات العالم والغرب بحق، ولم يستخدم انفتاحه وعلمانيته لكسب ود الشعب، أو بعض فئاته لدعمه في انتخابات، أو تكريس زعامة. وبذا، أنشأ دستوراً ومجلة للأحوال الشخصية كانت الأكثر تقدماً في البلدان العربية والإسلامية.
ومن حسن حظ تونس أنها بعيدة عن المجال الحيوي لإيران التوسعية، كما نعرفها اليوم، وإن حاولت استخباراتها أن تموّل حركة تشيع توّجتها بمحاولة فاشلة لتأسيس حزب شيعي، باسم حزب الله في تونس. ومن حسن حظ تونس أن المرأة التونسية بدورها الفاعل في الحراك التاريخي، منذ قرطاج إلى اليوم، هي حارسة المكتسبات التي حصلت عليها عشية الاستقلال، ولن يكون من السهل أن تتخلى عنها.
ومن سوء حظ تونس مثلها مثل دول عربية كثيرة أن الإسلام الذي حاول بورقيبة أن يحجم تأثيره في المؤسسات والقوانين المدنية والاجتماعية، واستمر تحجيمه حتى في العهد الذي خلفه، أصبح اليوم يجد من يعيد له التأثير والفعالية الدموية على امتداد هذا العالم العربي الإسلامي. ومن سوء حظ تونس أن فهم أن بورقيبة أقام دولة ومجتمعاً متميزين عما يحيط بتونس من دول ومجتمعات، من غير أن يضع فاصلاً ما بين الاعتزاز بتلك المنجزات وإنكار محركات المجتمع ومخزونه الثقافي الإسلامي الذي لا يميزه، في نهاية الأمر، عن تلك المجتمعات المحيطة. وبالتالي، تطورت نزعة الاعتزاز مع الزمن إلى شعور بالتفوق والاستعلاء والتفاخر الذي لا تسنده حصاة، سرعان ما تنزاح بلمسة ليسقط ذلك التفاخر، ويهشمه الواقع الذي صار واحداً في كل بلد، يدين بدين الإسلام، ليستيقظ التونسيون على الحقيقة المرة التي أنكروها طويلاً، وأصرت الإنتلجنسيا على إنكارها طوال العقود الماضية.
عشت في تونس عشرين عاماً، ورحلت عنها عام 2008. وصلت في زيارة أخيرة إلى تونس عام 2013، قبل يومين من اغتيال السياسي التونسي، شكري بلعيد. خلال تلك العشرين عاماً، طالما سمعت من أصدقاء مثقفين تونسيين مديحهم ذاتهم في مقارنتها مع المشارقة، واستغراقهم في نفي ارتباطهم بالعرب والإسلام، والتأكيد على اختلافهم الثقافي والسيكولوجي عن بقية الشعوب، حتى إن النكات التي كان يتداولها التونسيون كان الليبيون، أفراداً وشعباً، موضوعاً ثابتاً ومحبباً لها. في الأيام التي تلت اغتيال بلعيد، سمعت مراراً وتكراراً أن الذي اغتال بلعيد لا يمكن أن يكون تونسياً، فليس من طبيعة التوانسة العنف والقتل. وتكرر الأمر بعد اغتيال محمد البراهمي، ثم جاء الهجوم الإرهابي على السياح الأجانب في متحف باردو قبل شهور، والخطاب المثقفاتي ينفي أن تكون طبيعة التوانسة تحمل كل هذا العنف، وأن العنف مستورد، وأن قطر، أو الوهابية السعودية، وراءه، وأن الهمجية التي تشهدها تونس من صنيع قوى خارجية، حتى جاءت العملية الوحشية الأخيرة في مدينة سوسة، ورأينا الإرهابي الأصولي التونسي، مثل شخصيات الأفلام الأميركية في أفلام التشويق والعنف، حاملاً بندقيته الرشاش ويحصد الأرواح على شاطىء سوسة. فهل اعترف التوانسة أنهم ليسوا خارج أتون الأصولية العمياء وجحيمها، وأنهم غير مختلفين عن بقية الشعوب، وأن لا شيء يميزهم عن غيرهم إلاّ بمدى نفض أوهام التمايز؟
ومن حسن حظ تونس أنها بعيدة عن المجال الحيوي لإيران التوسعية، كما نعرفها اليوم، وإن حاولت استخباراتها أن تموّل حركة تشيع توّجتها بمحاولة فاشلة لتأسيس حزب شيعي، باسم حزب الله في تونس. ومن حسن حظ تونس أن المرأة التونسية بدورها الفاعل في الحراك التاريخي، منذ قرطاج إلى اليوم، هي حارسة المكتسبات التي حصلت عليها عشية الاستقلال، ولن يكون من السهل أن تتخلى عنها.
ومن سوء حظ تونس مثلها مثل دول عربية كثيرة أن الإسلام الذي حاول بورقيبة أن يحجم تأثيره في المؤسسات والقوانين المدنية والاجتماعية، واستمر تحجيمه حتى في العهد الذي خلفه، أصبح اليوم يجد من يعيد له التأثير والفعالية الدموية على امتداد هذا العالم العربي الإسلامي. ومن سوء حظ تونس أن فهم أن بورقيبة أقام دولة ومجتمعاً متميزين عما يحيط بتونس من دول ومجتمعات، من غير أن يضع فاصلاً ما بين الاعتزاز بتلك المنجزات وإنكار محركات المجتمع ومخزونه الثقافي الإسلامي الذي لا يميزه، في نهاية الأمر، عن تلك المجتمعات المحيطة. وبالتالي، تطورت نزعة الاعتزاز مع الزمن إلى شعور بالتفوق والاستعلاء والتفاخر الذي لا تسنده حصاة، سرعان ما تنزاح بلمسة ليسقط ذلك التفاخر، ويهشمه الواقع الذي صار واحداً في كل بلد، يدين بدين الإسلام، ليستيقظ التونسيون على الحقيقة المرة التي أنكروها طويلاً، وأصرت الإنتلجنسيا على إنكارها طوال العقود الماضية.
عشت في تونس عشرين عاماً، ورحلت عنها عام 2008. وصلت في زيارة أخيرة إلى تونس عام 2013، قبل يومين من اغتيال السياسي التونسي، شكري بلعيد. خلال تلك العشرين عاماً، طالما سمعت من أصدقاء مثقفين تونسيين مديحهم ذاتهم في مقارنتها مع المشارقة، واستغراقهم في نفي ارتباطهم بالعرب والإسلام، والتأكيد على اختلافهم الثقافي والسيكولوجي عن بقية الشعوب، حتى إن النكات التي كان يتداولها التونسيون كان الليبيون، أفراداً وشعباً، موضوعاً ثابتاً ومحبباً لها. في الأيام التي تلت اغتيال بلعيد، سمعت مراراً وتكراراً أن الذي اغتال بلعيد لا يمكن أن يكون تونسياً، فليس من طبيعة التوانسة العنف والقتل. وتكرر الأمر بعد اغتيال محمد البراهمي، ثم جاء الهجوم الإرهابي على السياح الأجانب في متحف باردو قبل شهور، والخطاب المثقفاتي ينفي أن تكون طبيعة التوانسة تحمل كل هذا العنف، وأن العنف مستورد، وأن قطر، أو الوهابية السعودية، وراءه، وأن الهمجية التي تشهدها تونس من صنيع قوى خارجية، حتى جاءت العملية الوحشية الأخيرة في مدينة سوسة، ورأينا الإرهابي الأصولي التونسي، مثل شخصيات الأفلام الأميركية في أفلام التشويق والعنف، حاملاً بندقيته الرشاش ويحصد الأرواح على شاطىء سوسة. فهل اعترف التوانسة أنهم ليسوا خارج أتون الأصولية العمياء وجحيمها، وأنهم غير مختلفين عن بقية الشعوب، وأن لا شيء يميزهم عن غيرهم إلاّ بمدى نفض أوهام التمايز؟