الأغاني الرمضانيّة.. ذخيرة الإذاعة المصرية

09 يونيو 2016
المسحّراتي (Getty)
+ الخط -
عرف المصريون الغناء الخاص بشهر رمضان في عهد الفاطميين. يشير المقريزي إلى ذلك في كتابه "المواعظ والاعتبار"، حين يتحدث عن سحور الخليفة؛ فيقول: "وجلوس الخليفة بعد ذلك في الروشن إلى وقت السحور، والمقرئون تحته يتلوون عشراً، ويُطربَون بحيث يشاهدهم الخليفة، ثم حضر بعدهم المؤذّنون وأخذوا في التكبير وذكر فضائل السحور".
وهكذا بدأت معرفة المصريون بوظيفة "المسحراتي"، ذلك المطرب الذي يتولى إنشاد التسابيح والابتهالات الخاصة في تلك الليالي حتى وقت السحر. ورث المماليك معظم عادات الفاطميين الاحتفالية، وذكر ابن إياس وابن تغري بردي وغيرهما من مؤرخي عصر المماليك، أن الناس كانوا ينتظرون المسحراتي للاستماع إلى أدعيته وابتهالاته وارتجالاته، وأن الشجن يبلغ بهم منتهاه في أواخر الشهر عندما يقترب رمضان من نهايته، فيغنون منظومات صيغت خصيصاً للعشر الأواخر، وهو ما أطلقوا عليه "التواحيش"، حيث كانت المنظومات الغنائية تبدأ دوماً بعبارة: "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام".


الحامولي منشداً
يحكي، قسطنطين رزق، في كتابه "الموسيقى الشرقية والغناء العربي"، أنّ الاهتمام بالإنشاد الديني في رمضان بلغ ذروته في العصر الذهبي للغناء المصري مع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين. فكان، عبده الحامولي، وفقاً لرواية يحكيها الشاعر خليل مطران، يحيي سهراتٍ يتوافدُ إليها الناس. فيحكي مطران أن الحامولي اعتلى مئذنة مسجد الحسين بعد صلاة العشاء، وانطلق صوته بلا معونة من ميكروفون أو أجهزة، كالتي تزيِّف الأصوات في أيامنا هذه، وقد ترنّم الحامولي في تلك الليلة بأبيات من الشعر، تسبّح المولى عز وجلّ، وكان مما ترنم به وتذكره مطران قول الشاعر: "يا من تحلّ بذكره/ عقد النوائب والشدائدْ. يا من لديه الملتقى/ وإليه أمرُ الخلق عائدْ".


أغاني الإذاعة
بلغ رصيد ما قدمته الإذاعة المصرية من الأغاني منذ نشأتها عدداً كبيراً. ويذكر، د.نبيل حنفي، في كتابه التوثيقي الرائع "هكذا غنّى المصريون"، أنه بلغ 118 أغنية في الفترة من 1938 إلى 1960 من مختلف القوالب، بالإضافة إلى ثلاثة برامج غنائية. ويضيف حنفي: "يمكن لمن يحصي أغنيات رمضان الإذاعية أن يصنفها في أربعة أقسام؛ وهي: أغنيات عن الرؤية واستقبال الشهر الكريم، وأغنيات عن المظاهر التي يمتاز بها شهر رمضان، وأغنيات في فضائل شهر الصوم، وأغنيات التواحيش التي تقال في وداع الشهر".
ويلفت حنفي إلى ظاهرة غريبة، وهي أنه بالرغم من كثرة الأغاني الرمضانية التي قدمتها الإذاعة، والتي تمرّدت فنياً عن قوالب الإنشاد الديني الموروثة؛ فإنّ هناك أصواتاً من الصف الأول، أحجمت عن المشاركة في تلك الأغاني لأسباب مجهولة، مثل: أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وليلى مراد وعبد الحليم حافظ.


ذاكرة المكتبة
من الأغنيات التي تحتفظ بها مكتبة الإذاعة، والتي تختص برؤية هلال رمضان، والتي كانت تُذاعُ في اليوم الأخير من شهر شعبان، وتترنم بهلال رمضان وأنواره والاحتفال به والاستعداد لاستقباله؛ تم رصد 29 أغنية، منها أغنية "هليت علينا يا شهر الصوم"، كلمات قاسم مظهر، من غناء عباس البليدي وألحانه. و"لما هلالك هلّ وبان" كلمات مصطفى عبد الرحمن وغناء سيد مصطفى، و"نورت يا رمضان" من كلمات صالح الشرنوبي، وغناء أحمد عبد القادر وهدى سلطان، وغيرها.
فيما تعد أغنية "رمضان جانا" من أشهر أغاني ذلك القسم، وهي التي غناها محمد عبد المطلب، من كلمات حسين محمد طنطاوي، ولحنها محمود الشريف، وتقول في مطلعها: "رمضان جانا/ وفرحنا به/ بعد غيابه/ وبقى له زمان. غنوا معانا/ شهر بطوله/ غنوا وقولوا/ أهلا رمضان".
قدمت الإذاعة بعض الأغاني التي لم تُسجل صوتياً، وهو أمر تسبب في أن يفوتنا الكثير من الخير الفني الذي كان سائداً في تلك الفترة الذهبية للإذاعة المصرية، من بينها أغنية قدمتها فرقة طالبات قسم الموسيقى بالمعهد العالي للفنون مساء الأربعاء 8 رمضان 1362هـ (الموافق 8/9/1943) من ألحان فتاة تدعى إحسان محمد شفيق، ومن كلمات أحمد فؤاد شومان.



الفانوس والمسحراتي
الفانوس والمسحراتي هي أبرز الموضوعات التي دارت حولها أغاني المظاهر الرمضانية، فالشاعر، حسين المنسترلي، يلتقط الموروث الشعبي الذي يتضمن تجمع الأطفال بفوانيسهم وعبارتهم الشهيرة "وحوي يا وحوي" ويقوم بتأليف أغنيته الشهيرة التي تبدأ بالمطلع الذي يتكرر لاحقاً: "وحوي يا وحوي. رحت يا شعبان/ وحوينا الدار جيت يا رمضان إيّاحة". وهي الأغنية التي غناها عدد من المطربين الإذاعيين، مثل أحمد شريف وسميرة وصفي وغيرهما.

أما المسحراتي، فما أكثر تلك الأغاني الإذاعية التي تعرضت له، وفي فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي عُرض برنامجان هما: "المسحراتي" و"حكمة المسحراتي"، وفيهما تعددت الأغاني التي تجاوزت 15 أغنية، مثل الأغنية التي كتبها أحمد مخيمر وغناها كارم محمود، وتقول: "يا روح من فوق نازل هايم/ يقول للصاحي والنايم/ مفيش دايم غير الدايم".

وتعد أغنية، شريفة فاضل، "تم البدر بدري" في وداع رمضان، من أروع الأغاني التي قيلت في وداع رمضان، وقد فلتت بأعجوبة من الضياع، وأذيعت لأول مرة يوم السبت 22 رمضان 1376هـ (الموافق 9/4/1957م)، وهي من تأليف الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وألحان عبد العظيم محمد، وتقول: "تم البدر بدري/ والأيام بتجري. والله لسه بدري والله/ يا شهر الصيام".

المساهمون