الأسئلة المعلقة بشأن حادث الواحات

03 نوفمبر 2017

لم يعلن أي تنظيم مسؤوليته عن عملية الواحات

+ الخط -
تناقلت وسائل الإعلام، في 21 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنباء عن اشتباكات بين قوات الشرطة وأفراد من جماعات إرهابية بالقرب من منطقة الكيلو 135 في مصر. وبينما كانت الصحافة العالمية تنقل الأخبار، من حين إلى آخر، وفي كل مرة يتصاعد عدد الضحايا حسب تلك الوسائل التي أوصلت عددهم إلى58، ظل التلفزيون الحكومي الرسمي، ومعه القنوات المملوكة للنظام، صامتا لا يقول شيئا، وكأن شيئا لم يحدث. الأدهى أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لم يهتم كثيرا بالأمر في بدايته، وذهب ليحتفل مع وفود أجنبية بذكرى معركة العلمين. وأصبح الوضع أقرب إلى الكابوس الذي يتناقل العالم أخباره، بينما لا يدري أصحاب الكابوس شيئا عنه. انتشر، في اللحظة نفسها، أن من ارتكب العملية ضابط سابق في القوات المسلحة، كان قد تم فصله من الخدمة، لاعتناقه فكرا تكفيريا، وهو يقود تنظيما إرهابيا يسمى (المرابطون).
لماذا أريد لتلك السردية أن تنتشر، على الرغم من أن أي تنظيم لم يعلن حتى اللحظة مسؤوليته عن تلك العملية، وإعلان المسؤولية عن العلميات الإرهابية استراتيجية درجت عليها الجماعات الإرهابية، لتعلن عن نفسها. وهذا ما يضع، في حد ذاته، علامة استفهام بشأن تلك السردية، وتوقيتها وقوة انتشارها في الإعلام المملوك للنظام، ولعل ضعف تلك السردية، إن لم يكن نفيها، جاء على لسان السيسي نفسه في لقائه مع التلفزيون الفرنسي "فرانس 24" لمّا سئل عن الفاعل، فقال: ليس لدينا معلومات والتحقيقات تجري.. إذا، من الذي سرّب السردية، ومن الذي سرب قبلها التسجيل الخاص بشهادات المجندين الذين كانوا في الحادث، وماذا يُقصد من ذلك، وما دلالته؟
هناك سؤال آخر بشأن ضباط استشهدوا في تلك العملية، فعدد منهم كان من المشاركين في فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية (أكبر مجزرة شهدتها مصر في التاريخ الحديث) فهل هناك 
علاقة بين فض الاعتصام وهؤلاء الضباط. بالتأكيد، لا تلقي هذه المقالة الاتهام على أحد، ولا يدّعي كاتبها أشياء لا يمتلك حقيقة عليها، لكنه سؤال معلق بين عدة أسئلة، تدور هنا وهناك، بسبب نقص المعلومات المتاحة عن الحادث وظروفه وكيفية وقوعه، وإذا ما ناقشنا جدية هذا السؤال، وذهبنا إلى أبعد من ذلك، وهو أنه متحقق الفرضية، فهذا يعني وجود جماعاتٍ أخرى، أو أشخاص آخرين دفعهم الانتقام إلى القيام بتلك العملية، تربطهم علاقات في الأجهزة الأمنية، وتم تسريب معلومات لهم، ولهذا دلالة فيما يتعلق بصراع الأجهزة في مصر وعلاقاتها بين بعضها بعضا، وإن كان كذلك، فبلا شك من قام بالعملية ليس "حسم" أو لواء الثورة، فلو كان كذلك لأعلنوا عن هذا كعادتهم. ويكشف هذا، في حد ذاته، عن تحول في مستوى العنف والاتجاه الذي أخذه.
من بين الأسئلة المطروحة أيضا: لماذا لم تتم العلمية بالتعاون مع قوات الجيش، ولماذا لم يتم تقديم الدعم الجوي لها، ولماذا ظل الأمر ساعات وساعات من دون أن يكون هناك تدخل من قوات الجيش؟ لهذه الأسئلة دلالة ترجمت في قرار إطاحة رئيس الأركان من منصبه، وهو أحد الأعمدة التي يتكئ عليها السيسي في حكمه، لكن الإقالة أيضا تقول من بين ما تقوله إنها جاءت على غير رضا السيسي نفسه، وهذا يعكس نوعا من التحول في موازين القوى داخل النظام، 
ويعني أن النظام الآن أصبح يلعب لصالحه، وليس لصالح شخص معين. لكن لهذه الفرضية ما يؤيدها، وهو خروج أحد رجال النظام، والمحسوب على جهاز أمني معين ودائرة معروفة وقوية داخل النظام، في توقيت الحادث، وسرّب معلومات عن الحادث، وأفاد بأن هناك ضابطا مختطفا. بالضبط، لا يكتب هذا الشخص من وحي خياله، ولكن بالتأكيد تم تسريب تلك المعلومات إليه، وكأنه سيناريو معدّ سلفا. وعلى الرغم من النفي الذي تم بشأن هذا الضابط، إلا أن الأيام كشفت عن صحة ما قاله هذا الشخص، خصوصا حينما أعلن الجيش تحريره هذا الضابط المختطف. ولعل عملية تحريره تحمل أسئلة وعلامات استفهام عديدة، منها أنها جاءت بعد أقل من 73 ساعة من تغيير رئيس الأركان. وطبقا للبيان المعلن، تم قتل الإرهابيين الذين كانوا يحتجزون الضابط الذي خرج من بينهم حيا، كما أنها أيضا أكدت صحة الرواية التي أعلنها أحد رجال النظام.
حادث له دلالات كثيرة بشأن الوضع الحالي للنظام في مصر، وتغير موازين القوى داخله، وبشأن الخيارات المطروحة التي يتبناها النظام في المستقبل، وعن مستوى العنف في مصر واتجاهاته. تضع الأسئلة المعلقة والمعلومات الغائبة أيضا علامات استفهام أكبر، لكنها بلا شك لا تسير في صالح من ظن أنه وحده يمسك بزمام الأمور، ونسي أنه حلقة ضمن سلسلة تسمى النظام. كل العنف سينتهي حينما تدرك السلسلة الحاكمة أنها تقود مصر إلى مصير أقرب للعشرية السوداء في الجزائر، وأنه لا بديل عن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لتجنيب البلاد هذا السيناريو. .. حفظ الله مصر وشعبها.
BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.