الأزهر يعترض سفينة نوح

09 مارس 2014
لقطة للسفينة قبل "إغراقِها"
+ الخط -
تعود مؤسسة الأزهر المصرية من جديد إلى مدّ قبضة المنع، وهذه المرة تعترضُ فيلم المخرج دارين أرانوفسكي؛ "نوح"، الذي أدّى شخصيته راسل كرو وتمنع عرضه في دور السينما المصرية.

حُجة الأزهر، كالعادة، تتعلق بأن الفيلم يجسّد شخصية نبي، وأن هذا محرّم في الشريعة الإسلامية. أما "مسؤول الرقابة على الأفلام الأجنبية" عبد الستار فتحي فقد استنكر المنع، مبيّناً أنّ الفيلم "ليس تجسيداً لقصة حياة النبي نوح... ولو أن الفيلم حمل اسماً آخر غير "نوح" لمرّ بسلام".

وبطبيعة الحال، دخل الموضوع حيز الجدل – القديم المُتجدّد- المتعلق بصحّة تحريم تجسيد دور الأنبياء، أم هو مجرّد اجتهاد "أزهريّ" لا أكثر. فأصدرت "جبهة الإبداع" المصرية بياناً تُعرب فيه عن استيائها من منع الفيلم، مُطالبةً بتوقف الأزهر عن التدخُّل وترك المهمّة للرقابة.

ومما جاء في البيان: "لا نعتقد أنه في القرن الواحد والعشرين سيرى مواطن في الشارع "راسل كرو" فيسجُد له معتقداً أنه سيدنا نوح شخصيا بعد أن أدّى دوره في الفيلم، وإلا كان مكان هذا المواطن هو مصحة نفسيّة، وهو التعامل الصحيح معه، لا منع الفيلم عن ملايين الأصحاء ذهنيا المدركين لماهية السينما".

الفيلم، لمن شاهد مقطعه الترويجي، سيُلاحظ أنه في الحقيقة يستدعي الحكاية الأسطورية التي وردت ليس في الكتب المقدسة فحسب؛ وإنما في ملحمة جلجامش، ويُعيد إنتاجها بعُمقٍ دراميّ وملحميّ، من دون أن يحاول المسّ بالمعتقدات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية. العمل مبنيّ بحبكة دراميّة بعيدة عن الرواية الدينية، بحيث يقدم كل من الكاتب والمخرج رؤيا إنسانية للموضوع.

ولكن ما الذي تريده المؤسسة الأزهرية من هذا المنع؟ إلهاء المجتمع المصري وإشغاله عن الحالة السياسية المُضطربة في مصر؟ بصيغة أخرى: هل يؤدي الأزهر مهمته كغطاء للمؤسسة العسكرية هناك؟ سنفترض أن الإجابة بالنفي، لأن مؤسسة الأزهر مُعتادة تاريخياً على هذا السلوك في تحجيمها للإبداع ومنعه بحجج لا تصمد أمام العقل.

وفي نظرة سريعة لتاريخ المنع في الأزهر، سنجد أنه بدأ في العام 1926، عندما قررت إحدى شركات السينما الألمانية تصوير فيلم اسمه "محمد رسول الله"، شاركتها في إنتاجه حكومة تركيا آنذاك، بتوجيه من الرئيس أتاتورك. واختير الممثل المصري يوسف وهبي لتجسيد شخصية الرسول "ص". فأصدر الأزهر فتواه: "الدين يحرّم تحريماً باتّاً تصوير الرسل والأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم"، مُرسلاً بتحذير إلى الملك فؤاد يحثه على توقيف يوسف وهبي عن المشاركة في الفيلم، فاعتذر وهبي وتنازل عن الدور، بعدما هُدِّدَ بالنفي وحرمانه من الجنسية المصرية.

وشكّلت تلك الحادثة تأسيساً فقهياً لمنع تمثيل دور الأنبياء والصحابة في الفنون المرئية في مصر والعالم العربي.

دلالات
المساهمون