يستعد التونسيون، بعد أيام قليلة، للاحتفال بالذكرى السابعة لثورة الياسمين التي كان من أبرز مكاسبها، وأكثرها صلابةً، حرية الصحافة. يُمكن القول إنّ الأخيرة تعيش في تونس أيامها الوردية التي لم تعرفها منذ عقود، لكنّ ذلك لا يعني أن الإعلام التونسي يعيش أحسن أوضاعه، خصوصاً بسبب الأزمة الاقتصادية التي لاحق شبحها مؤسّسات عدّة، فشكّلت أكبر خطر محدق عاشته عام 2017.
الأزمة الاقتصادية التي تعرفها تونس ألقت بظلالها على الإعلام، مما تسبب في صعوبات مالية كبرى للمؤسسات الإعلامية، كان من نتائجها إقفال عديد المحطات الإذاعية، مثل إذاعة "الشعانبي أف أم"، وإذاعة "الحرية أف أم"، وقنوات تلفزيونية مثل "فيرست تي في"، بالإضافة إلى احتجاب العديد من الصحف الورقية عن الصدور، وتغيير دورية صدور أخرى، مثل صحيفة "الصري" اليومية التي أصبحت أسبوعية، وصحيفة "أخبار الجمهورية" التي تحولت من صحيفة أسبوعية إلى مجلة شهرية.
وانعكست الأزمة المالية التي تعيشها المؤسسات الإعلامية سلباً على العاملين فيها، حيث يعيش الكثير من الصحافيين التونسيين أوضاعاً ماليّة صعبة، تمثلت في تأخير صرف أجورهم، مما دفع الكثير منهم إلى التهديد بالإضرابات والاعتصامات.
وتعدّ هذه الهشاشة الاقتصادية لوضع الصحافي التونسي من أبرز ما تخشاه النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، والتي تؤكّد، في كل تقاريرها السنوية التي تصدر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 أيار/مايو من كل عام، أن هذه الهشاشة قد تكون مدخلاً للمال الفاسد، وللعودة بالإعلام التونسي إلى مربع الاستبداد الأول. رغم كل التحصينات التي تقول بها الهياكل النقابية والمنظمات الناشطة في قطاع الإعلام، مثل "مركز تونس لحرية الصحافة" الذي يؤكد أنّ الحذر واليقظة ضروريّان لضمان حرية الصحافة التي تعد العماد الأساسي وحجر الزاوية في كل بناء ديمقراطي.
وبدت هذه اليقظة واضحةً في عديد المناسبات سنة 2017، إذ أعلنت هذه المنظمات عن موقفها الرافض لعديد القوانين التي حاولت الحكومة التونسية تمريرها، من قبيل قانون تجريم الاعتداء على الأمنيين وحق النفاذ إلى المعلومة، وآخرها الرسالة المفتوحة التي وجُهت إلى الرئاسات التونسية الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان) من قبل 14 منظمة تونسية ودولية، داعيةً إياهم إلى التدخل، حتى لا يمرر قانون السمعي البصري الذي اعتبرت بعض فصوله مسّاً بحرية الصحافة واستقلاليتها.
وعرفت سنة 2017 في تونس في المجال الإعلامي تراجعاً لافتاً لحجم الاعتداءات على الصحافيين التونسيين أثناء أداء عملهم، وهو مؤشر تعتبره الهياكل النقابية إيجابياً وتطالب بتدعيمه. فقد تراجعت هذه الاعتداءات بأكثر من خمسين بالمائة، كما لم يعد رجال الأمن يتصدرون قائمة المعتدين، وهو ما أشار إليه التقرير الأخير الذي تصدره وحدة السلامة المهنية ورصد وتوثيق الاعتداءات على الصحافيين التونسيين، التابع للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين.
كما أن تونس لم تشهد طيلة سنة 2017 أي عقوبة سالبة للحرية لأي صحافي تونسي، أي السجن، وهو واحد من أهم المؤشّرات الإيجابيّة. لكن في مقابل ذلك، تعرّض بعض المدونين، ومنهم المدون الصحبي العمري، للمساءلة القانونية بسبب تدوينات اعتبرت أنّها تتضمن مسّاً من شخصية رئيس الجمهورية وعائلته، لكنها مساءلة لم تترتب عليها عقوبات سجنية لأي مدون.
ومن المتوقّع أن تكون 2018 سنة التحديات الكبرى للإعلام التونسي. فالحكومة مطالبةٌ بإيجاد حلول عملية للخروج به من أزمته الماليّة، ومنها إنشاء هيكل يتولى توزيع الإعلانات التجارية الرسمية، وتفعيل قراراتها المتعلقة بإنقاذ قطاع الصحافة الورقية الذي شرعت في تنفيذ بعضه سنة 2017.
كما من المنتظر إنشاء مجلس أعلى للصحافة المكتوبة والإلكترونية، يكون له دور تعديلي، من أجل خلق صحافة ذات جودة تراعي المقاييس المهنية، خاصة في ظل سقوط بعض وسائل الإعلام في ثقافة السبق الصحافي، من دون مراعاة للضوابط المهنية، مما تسبب في الكثير من الأخطاء التي أساءت للإعلام التونسي، ومنها انتشار إشاعات في مواقع إلكترونية تستقي أخبارها من شبكات التواصل الاجتماعي، من دون التحقق من مصداقيّتها.