الأردنيون بين التفاؤل والقلق

06 مارس 2016

طلاب يحتجون في عمّان على ارتفاع الرسوم الدراسية (ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
عبر الأردن، في الأعوام الماضية، محطات مفصلية؛ بدايةً من التعامل بذكاء شديد مع ثورات الربيع العربي، والحراك الشعبي الداخلي الموازي له المطالب بالتغيير، مروراً بالأزمة السورية الطاحنة والأوضاع الفوضوية في العراق وفي الجوار، وتعطل التسوية السلمية وعودة التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة. في الوقت نفسه، كان الوضع المالي للدولة على شفا الانهيار، عندما قرّرت الحكومة العودة إلى برنامج صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وازدياد الضغوط الاقتصادية على الشريحة العامة من المجتمع، فحدثت موجة اضطرابات كبيرة، تجاوز مداها الانتفاضة المعروفة في عام 1989، إلاّ أنّ الدولة نجحت في المرور منها بهدوء، وبقدرٍ كبيرٍ من المرونة في ردود الفعل.
لو جلسنا نعدّد اللحظات الحسّاسة، خلال الأعوام الستة الماضية فقط، لوجدناها مكثفة وضخمة وخطيرة. لكن عوامل متعددة ساعدت الدولة على تجاوزها، والتغلب عليها، ما أحدث ما يسميه باحثون وصحافيون غربيون "المعجزة الأردنية".
تتوزع عوامل "المناعة" الأردنية بين خبرةٍ سياسيةٍ مجبولةٍ على التسامح والمرونة وبعد النظام السياسي عن الدموية، وقدرات عسكرية وأمنية تراكمت عبر العقود، حتى أصبح الأردن مركزاً إقليمياً للتدريب ومحاربة الإرهاب، وجهاز مخابراته من أقوى سبعة أجهزة عالمياً.
لكن أحد أهم مفاتيح الاستقرار والقوة، وتتجاهله قراءاتٌ عديدة، وجود طبقة وسطى قوية، على الرغم مما تتعرّض له من ضغوط اقتصادية كبيرة، إلاّ أنّها، بما تمتلكه من قيم وطنية ناضجة وأخلاقية ووعي سياسي، شكّلت سنداً مجتمعياً كبيراً لدعم الاستقرار والسلم، وإشاعة روح وطنية صلبة، برزت في الأزمات الخطيرة السابقة.
شكلت هذه الطبقة نفسها أحد مصادر قوة الأردن اقتصادياً، فوجود مئات آلاف المهنيين في الخليج وأميركا يوفر سنوياً مليارات من العملة الصعبة تأتي من الخارج، بالإضافة إلى حجم كبير من المساعدات المالية المباشرة وغير المباشرة، ما خفف من حجم الأزمة الاقتصادية القاسية.
تنظر النخبة السياسية في دوائر القرار، اليوم، إلى ما يحدث في الإقليم، بوصفه التحدي ومصدر الخطر الأكبر؛ خصوصاً في سورية، وتحديداً في درعا، ويأمل مطبخ القرار أن تنجح الهدنة الحالية، ويرى أن مصلحة الأردن الاستراتيجية في الحل السياسي هناك. لكن القلق هو من عدم التزام الروس بتعهداتهم، ما يوجِد بؤرة توتر شديدة محاذيةٍ، قد تنجم عنها ثلاثة أخطار رئيسة؛ موجة جديدة من اللاجئين بمئات الآلاف، وصول داعش إلى درعا مع تفكك الجيش الحرّ الذي كان يحظى برعاية أردنية، وانتقال المواجهات المسلحة السورية إلى المنطقة الحدودية.
بالطبع، تشكل داعش خطراً داهماً وكبيراً، في الجوار، برؤية مطبخ القرار، وهنالك تحدياتٌ لا تقل أهمية وخطورة، وثمة حبلٌ رفيع يسير عليه صانع القرار في التعامل مع هذه التطورات المقلقة. إلاّ أنّ هنالك تجاهلاً يصل إلى حدّ الإنكار لدى هذه النخبة السياسية في فلك مؤسسات الدولة، لحجم التحديات الداخلية الكبيرة المتدحرجة. وقد تكون المواجهات، قبل أيام، بين أجهزة الأمن الخاصة وخلية موالية لداعش، مناسبة مهمة لقرع جرس الإنذار.
لا يتمثل الخطر الداخلي فقط في نمو تيار موالٍ لداعش، وربما جعلت العملية هذا التيار أقرب، من أي وقت، إلى هذا التنظيم، في الداخل، ويعد بآلاف الشباب. بل هناك تحديات أكبر بكثير، تتمثل في القلق المتزايد من انتشار ظاهرة المخدرات بحجمٍ مرعب، وتزايد معدل البطالة وارتفاع نسبة الحرمان الاجتماعي لدى الطبقات الفقيرة، والتراجع في ثروة الأردن الأساسية، أي التعليم الحكومي والجامعي، وتراجع كبير في الثقة بمؤسسات الدولة السياسية، وتضعضع منظومة القيم الاجتماعية والسياسية.
يدفع النظر إلى ما تمّ إنجازه الأردنيين إلى التفاؤل، لكن الأخطار في المنطقة وكرة الأزمات الداخلية المتدحرجة تتطلب نقداً ذاتياً، ونظرة إلى نقاط الضعف، وليس القوة فقط. وتستدعي النجاة في المستقبل قراءة عميقة للعقد الاجتماعي الداخلي، لتأسيسه على أرضيةٍ صلبة، فما حدث في الدول الأخرى الممزقة أنها اكتشفت أنّ العقد الاجتماعي رمال متحركة ابتلعت مؤسسات الدولة والسلم الأهلي خلال أعوام معدودة.
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.