إسلاميو الأردن... الدولة والدرس الذهبي
من الضروري أن يتجاوز أبناء حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن نشوة الانتصار الذي حقّقوه في الانتخابات النيابية الأسبوع الماضي (17 مقعداً على مستوى القائمة الوطنية الحزبية، وقرابة نصف مليون ناخب)، وألا ينجرّوا إلى الأخطاء التي وقع فيها الإسلاميون في تجربة الربيع العربي، وانتهت الأمور إلى انقلاب كامل على المسار الديمقراطي، بل انتكاسة كبيرة إلى الوراء، فأصبحت الأوضاع السياسية في دول عربية عديدة عشية الربيع العربي أفضل مائة مرّة مما آلت إليه الأمور لاحقاً، في دولٍ وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة، فانقلب عليهم خصومهم، وانقلبت عليهم الأمور.
ما هو الدرس الذهبي الذي من الضروري أن يدركه إسلاميو الأردن؟ هو ما تقوله أغلب النظريات الديمقراطية بأنّ هنالك فرقاً كبيراً بين النظام الديمقراطي المستقر (consolidated democracy) والنظام في مرحلة التحول أو الانتقال الديمقراطي (Democratic Transformation)، لأنّ الخلط بينهما يؤدّي إلى أخطاء، بل خطايا فادحة في تقدير المواقف والحسابات السياسية، فالأردن لا يزال في مرحلة تحوّل - انتقال ديمقراطي، وأظهرت التجربة التاريخية الأردنية أنّ هنالك محدّدات وهواجس خارجية وداخلية محيطة في عملية التحوّل، ما يدفع الإسلاميين، بعدما حصلوا على عدد معتبر من المقاعد (من دون أن يتجاوزوا الأقلية البرلمانية، على افتراض واقعي أنّ القوى السياسية الأخرى ستتكتّل في الاتجاه المقابل لهم)، إلى توخّي الحذر والانتباه إلى ما يمكن أن يصدر منهم من خطابات وسلوكيات، فيما إذا كانت تدفع إلى تقديم رسائل طمأنة بمنطق عقلاني - واقعي، أم أنّهم سينجرّون إلى الخطابات الرغائبية والعاطفية. وسيجد بعد ذلك خصومهم وخصوم الديمقراطية ألف مبرّر للدفع نحو التراجع والانقضاض على المسار الحالي، المفترض استكماله نحو حكومات حزبية ديمقراطية بعد الانتخابات المقبلة.
تؤكّد التجارب الديمقراطية في العالم أنّ الطريق الفضلى للتغيير الديمقراطي تتمثل بالتدرّج الهادئ والصفقة ما بين القوى الجديدة والقديمة، وهي الفرصة التي تكون عادةً الأنظمة الملكية أقرب إليها من الجمهورية، نظراً إلى طبيعتها التي تجمع القيم المحافظة والجديدة. وتاريخياً، اتّسم النظام الأردني بالاعتدال والتوازن ورفض العنف. وبالرغم من الأزمة المفتوحة المستدامة بينه وبين الإسلاميين منذ ثلاثة عقود (تقريباً)، إلاّ أنّ الأمور لم تصل في أيّ لحظة إلى كسر العظم، وهذا أمر يشجّع "مطبخ الإسلاميين" على تقديم نموذج جديد في العمل السياسي.
على الطرف المقابل، ليس انتصار الإسلاميين بسيطاً، فقد حازوا ثلت أصوات المقترعين تقريباً. وإذا أخذنا بالاعتبار الناخبين العازفين (وأغلبهم من المدن الكبرى)، والمغتربين؛ فلو صوّتوا، فإنّ نسبة كبيرة من الأصوات (كما يرى كاتب هذه السطور) ستذهب للإسلاميين - المعارضة السياسية... ماذا يعني هذا لـ"مطبخ القرار"؟ الجواب: إنّ هنالك مشكلة من الضروري أن تُعالج في صورة الحكومات والتيار القريب من مؤسّسات الدولة، وهو ما ظهر في الانتخابات بصورة جليةّ، فالإخوان المسلمون لم يتراجعوا بعد 35 عاماً عن النصر الانتخابي الذي حققوه في 1989، وكانت تلك الانتخابات من أكثر الانتخابات نزاهة، كما يصف كثيرون الانتخابات الحالية، ما يدفع مطبخ القرار والحلقة العليا في النخبة السياسية إلى إعادة قراءة الشارع، وإلى تقديم تحليلات دقيقة ونوعية ومعمّقة للتيارات والديناميكيات الموجودة على الأرض، فالانتخابات كانت فرصة مهمّة لاستكشاف ما يحدُث فعلاً على الواقع، ومقارنة التقارير والمعلومات التي تصل إلى دوائر القرار من المجسّات المختلفة، وهو ما يذكّرنا بما قاله الملك الحسين رحمه الله عندما قرّر إجراء انتخابات في 1989 (وكان هنالك معارضون لذلك): "أريد أن أرفع غطاء الطنجرة وأكشف ما في داخلها".
على الطرف الثالث، لم تثبت التجربة الحزبية الجديدة فشلها (كما يذهب كثيرون)، بل إنها بداية واعدة لأحزاب سياسية عديدة، حتى المقرّبة من دوائر القرار، فلم يكن الأمر سهلاً في ظروف الحرب على غزّة والعواطف الشعبية المتفاعلة معها، وفي ظل غضب الشارع من الظروف الاقتصادية، وغيابٍ شبه كبير للإعلام الرسمي، في ظل ذلك كله، لم يكن ما حصلت عليه أحزاب، مثل الميثاق الوطني والوطني الإسلامي وتقدم وإرادة، نسبة متواضعة، بل كانت كبيرة، لكنها كانت تتنافس على الكعكة نفسها، والمجال أمامها في المستقبل مفتوح.