الأردنيات أكثر وعياً... وتفاؤلاً

20 أكتوبر 2018
بالونات وردية (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -


يُعَدّ الكشف المبكّر أمراً أساسياً لمواجهة سرطان الثدي بشكل خاص والأمراض السرطانية الأخرى بشكل عام. وكلّما اكتشف المرض مبكراً، ترتفع احتمالات الشفاء منه. صباح الطويل أصيبت بسرطان الثدي في عام 2007. على الرغم من ذلك، فإن تجربتها تعكس تفاؤلاً لا محدوداً، هي التي واجهت مرضاً يعدّ مرادفاً للموت في الثقافة الشعبية الأردنية، والعربية عموماً. تقول الطويل لـ "العربي الجديد" إن معركتها مع المرض بدأت في عام 2007، حين اكتشفت إصابتها بعد إجراء فحوصات، مشيرة إلى أنها أجرت عملية جراحية بعدها، ثم كان العلاج الكيميائي والهرموني، وقد نجت "بفضل الله والعناية الطبية".

تروي الطويل: "صدمت العائلة في ذلك الوقت. الوعي حول المرض قبل 11 عاماً لم يكن كما اليوم، وكان السرطان بعيون المجتمع مرادفاً للموت. لكن بفضل العناية الطبية والعناية الإلهية، فأنا سليمة ومعافاة". تضيف: "بالنسبة إليّ، لم يكن السرطان نهاية بل بداية حياة مفعمة بالنشاط والعمل. في ذلك الوقت، كان أطفالي حافزاً لمقاومة المرض والاستمرار في رعايتهم. أصبحت أكثر تفاعلاً مع المجتمع وبدأت العمل مع مجموعة سند التي تضم مجموعة من الناجيات من سرطان الثدي يساعدن المصابات الحاليات على استعادة الصورة الإيجابية لأجسادهن وعيش أسلوب حياة صحي، من خلال توفير المساعدة والدعم والتشجيع والتعليم بأسلوب الاتصال من شخص لآخر، خلال التشخيص والعلاج والتعافي من سرطان الثدي".

تتابع الطويل: "الحالة النفسية لها دور كبير جداً. العلاج ليس طبياً، فالمريض يحتاج إلى عناية نفسية واجتماعية تساعد على مواجهة المرض"، مشيرة إلى أن "من أبرز أسباب تردّي حالة المريض غياب الوعي والأجواء السلبية المرافقة كالحزن والانعزال، إضافة إلى الأثر السلبي لنظرات الشفقة من المجتمع". وتشدّد الطويل على ضرورة الكشف الذاتي، وعدم الخوف من المجهول، مؤكدة أن اكتشاف المرض في مراحله المبكرة يجعله أقل خطورة.



من جهتها، تقول رجاء الحلواني لـ "العربي الجديد": "كل عام، أجري فحوصات طبية دورية للاطمئنان على صحتي، وتشمل تلك الخاصة بسرطان الثدي وأمراض الدم وعنق الرحم. وخلال الفحص الذاتي، لاحظت أن هناك كتلة في ثديي، ليتبيّن أنه ورم سرطاني حجمه 6 سنتمترات". تقول: "بعدها، أخذني زوجي إلى طبيب العائلة الذي أجرى عملية لاستئصال الورم، وأخرى تجميلية"، مشيرة إلى أنها خلال تلك الفترة تلقت 29 جلسة أشعة و8 جلسات علاج كيميائي. وتشرح أنها تلقت العلاج منذ الإصابة عام 2012 في مستشفيات الخدمات الطبية، وبعد ذلك انتقلت للعلاج في مركز الحسين للسرطان، لافتةً إلى أن العلاج في مركز الحسين يركز على الجانب النفسي بشكل كبير، وهذا الأمر له أثر إيجابي كبير على تعافي المريض.

تقول الحلواني المتزوجة منذ 35 عاماً، ولديها ستة أولاد و14 حفيداً، إن "الرعاية المبالغ فيها من قبل العائلة تؤثر سلباً على المريض". تضيف أن "نظرة الشفقة تجرح المريض وتؤلمه وتشعره بأنه اقترب من النهاية". وتوضح أن زوجها "رائع، وكذلك أبنائي وزوجاتهم وبناتي وأزواجهن. خلال العلاج، كنت أسمع قصصاً محزنة. بعض الأزواج يتخلّون عن زوجاتهم بسبب هذا المرض". تتابع الحلواني أنه خلال العلاج الكيميائي "تساقط شعري. كنت أضع قبعة أو شعراً مستعاراً من أجل أحفادي. لكن في الحقيقة، لم يكن يهمني شكلي بسبب العلاج". تضيف: "كنت أقوى من عائلتي في مواجهة المرض، وحضرت خطوبة ابني وزواجه من دون شعر مستعار. أردت أن أكون على طبيعتي، ومن يرغب في التعامل معي فأهلاً وسهلاً". وتشرح: "على الرغم من صعوبة جلسات العلاج، فإن المرض كان نقطة جميلة في حياتي، وكشف لي جمال من حولي وحبّ الله لنا"، مضيفة أن "المرض يمنحنا القوة لمواجهة الحياة، وقد أصبحت أكثر تفاؤلاً وحباً للحياة".

في وقت لاحق، اكتشفت إصابتها بالسرطان مجدداً في جزء من القفص الصدري، وتشير إلى أنها باتت أكثر إصراراً بعد التجربة الأولى على مواجهة المرض بكل قوة. وتعيد التأكيد على أن أصعب ما في المرض هو معاملة عائلة المريض له. من هنا، تطالب المؤسسات العلاجية الاستعانة بطبيب نفسي يشرح للأهل والعائلة والمقربين كيفية التعامل مع المريض لمواجهة المرض.




في السياق، تقول مديرة وحدة الكشف المبكر عن السرطان في مركز الحسين، الدكتورة يسار قتيبة، إن ارتفاع الأرقام المسجلة حول الإصابة بسرطان الثدي في الأردن يعني أن النساء أصبحن أكثر وعياً، وأن نسبة جيدة من الحالات تكتشف المرض في وقت مبكّر. تضيف أن المرض يصيب الإنسان كلما تقدم بالعمر، وغالبية الحالات المسجلة في الأردن هي في إقليم الوسط، مشيرة إلى أن أعداد المصابين تزيد بعد الوصول إلى سن الأربعين. وتدعو قتيبة جميع الفتيات البالغات إلى إجراء الفحص الذاتي بشكل شهري ودوري. أما النساء ما بين 20 و40 عاماً، فيتوجب عليهن إجراء الفحص السريري كل سنتين على الأقل. تضيف أنه على النساء بعد سن الأربعين إجراء فحص "الماموغرام" بهدف الكشف المبكر عن المرض، إذ إنه يمكن أن تكون هناك ندوب وأورام صغيرة لا يمكن اكتشافها من خلال الفحص الذاتي أو السريري.

تضيف فتيبة: "على مدار العام، ندعو إلى الكشف المبكر عن المرض. لكن في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، نكثف الحملات بالتزامن مع الشهر الوردي العالمي". وتوضح أن أبرز أعراض سرطان الثدي تتلخّص في وجود كتلة داخل الثدي، أو كتلة تحت الإبط، أو تغير لون الثدي، أو تغير كثافة الجلد (سمك الثدي)، أو تغير اتجاه حلمة الثدي (نحو الداخل)، أو خروج إفرازات من الثدي، أو تغير لون الحلمة. وتشير إلى أن "80 في المائة من مشاكل الثدي لا دخل لها بالسرطان، لكن نحن في حاجة إلى التأكّد من نسبة العشرين في المائة التي تسبب مرض السرطان. فعدم الكشف المبكر عن المرض يصعّب من مواجهته". وتوضح قتيبة أنه كلّما اكتشف المرض مبكراً، تكون فترة العلاج أقصر، ونسبة الشفاء مرتفعة، والكلفة المادية والمعاناة أقل، مشيرة إلى أن "نسبة الشفاء في المرحلتين الأولى والثانية تصل إلى 90 في المائة، فيما تتراجع في المرحلتين الأخيرتين الثالثة والرابعة إلى 18 في المائة".



وتشير قتيبة إلى أن كل امرأة معرضة للإصابة بسرطان الثدي، إلا أن عوامل الخطورة تزيد لدى النساء اللواتي تجاوزن الأربعين عاماً، إضافة إلى أولئك اللواتي لديهن أقارب من الدرجة الأولى وقد أصبن بالمرض (أم، أخت، أو ابنة)، واللواتي أخذت خزعات من أثدائهن، واللواتي ظهرت لديهن كتل حميدة، واللواتي أصيب لديهن الجهاز اللمفاوي وتعرّضن للعلاج بالأشعة في منطقة الصدر، واللواتي انقطعت عنهن الدورة الشهرية واستخدمن الهرمونات أكثر من خمس سنوات، واللواتي بدأت لديهن الدورة الشهرية في عمر صغير (10 سنوات مثلاً) وانقطعت عنهن في عمر متأخر (52 عاماً). تضيف قتيبة أن التدخين والكحول واللحوم الحمراء وقلة النشاط البدني كلّها عوامل تزيد من احتمالات الإصابة بالمرض، علماً أن نمط الحياة الصحي يخفض من احتمالات الإصابة، مثل ممارسة النشاط البدني والاعتماد بشكل أكبر على تناول الخضار والفاكهة.

بحسب آخر الأرقام الصادرة عن السجل الوطني للسرطان في وزارة الصحة، سجّلت 5550 حالة سرطان جديدة في المملكة بين المواطنين، منها 2670 للذكور و2880 للإناث. وبلغت أرقام الإصابة بسرطان الثدي في عام 2015، 1143 إصابة، بالمقارنة مع 1174 إصابة في عام 2014، و8 إصابات بين الذكور في مقابل 13 إصابة في عام 2014، ليصل إجمالي الحالات المسجلة لسرطان الثدي للإناث منذ عام 2000 وحتى آخر إحصائية عام 2015 إلى نحو 13092 حالة.

واحتفالاً بالشهر الوردي، يُطلق البرنامج الأردني لسرطان الثدي "الحملة الوطنية للتوعية" حول أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، تحت شعار "الكشف المبكر حياتك"، بهدف تعميم الفائدة وإيصال الرسائل التوعوية والتثقيفية إلى كل مناطق المملكة وكل بيت على امتداد مساحة الوطن، بهدف الوقاية من سرطان الثدي ومكافحة هذا المرض من خلال إجراء الفحص المبكر من دون خوف أو تردد. وينظم البرنامج الأردني لسرطان الثدي عشرات النشاطات والبرامج التوعوية بالتعاون مع مختلف القطاعات، إضافة إلى حفل وردي ترفيهي مفتوح للعائلات في جو تفاعلي أسبوعياً، من خلال أكشاك تثقيفية توعوية، وفحوصات مجانية، وموسيقى، وتكريم الناجيات من سرطان الثدي.




وحقق البرنامج الأردني لسرطان الثدي الذي تأسس في عام 2007 نتائج متميزة في التوعية حول المرض وأهمية الكشف المبكر عنه. وبعدما كانت 70 في المائة من حالات الإصابة تكتشف في المرحلتين الثالثة والرابعة، اللتين تبلغ نسبة الشفاء فيهما 18 في المائة، أصبحت 70 في المائة من الحالات تكتشف في المرحلتين الأولى والثانية، اللتين تصل نسبة الشفاء فيهما إلى 90 في المائة. تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الماضية، بدأت الوصمة الاجتماعية تتلاشى، وزادت نسبة الوعي، وخصوصاً أن الكشف المبكر هو الطريقة الوحيدة للنجاة من المرض.
دلالات
المساهمون