استهجان العجز الذاتي

29 ابريل 2017

(صفوان داحول)

+ الخط -
نشر موقع "ديلي ميل" البريطاني، في بداية العام الحالي، خبراً عن سيدة برازيلية تبلغ مائة وستة أعوام، تستعد للزواج من رجل يصغرها بأربعين عاماً. نصح الأطباء العروسين بعدم القيام بهذه الخطوة التي قد تودي بحياتهما، أو على الأقل بحياة العروس لكبر سنّها، لكنهما قالا إن الحب الذي جمعهما، منذ ثلاث سنوات، في إحدى دور العجزة، كفيلٌ بأن يحمي حياتهما معاً، وتابعا: لا معنى لحياة أحدنا بدون الآخر، إذا مات أحدنا فسيموت الآخر معه... بدا الحدث غريباً، وإلا لما كان خبراً في الميديا العالمية، ولم يكن الأمر سيختلف كثيراً لو أن عمري العروسين معكوسان، كانت الميديا أيضا ستهتم بالخبر، بوصفه نادراً في الحياة.
ليس فارق العمر، في الحالتين، وحده ما يجعل من الخبر سبقاً صحافياً، بل هو إصرار من تجاوز المائة عامٍ من عمره على الاستمرار في الحياة، كما لو كان في ريعان شبابه، وهو ما ليس معتاداً في عالمنا، واستثناءاته قليلة جداً، خصوصا لدى المرأة التي ما إن تصل إلى مرحلة ما يسمى زوراً "سن اليأس"، حتى يتم التلاعب اللاواعي بمشاعرها، بحيث يهيأ لها أن حياتها قد انتهت، وأن ما عليها فعله الآن هو انتظار الموت، أو التفرّغ لتربية الأحفاد، في حال وجودهم ريثما يأتي الموت. يحدث هذا في مجتمعاتنا أكثر بكثير مما يحدث في باقي المجتمعات، أعني المجتمعات التي لا تعتمد نظاماً علمانياً في دساتيرها، حيث تم وضع قواعد اجتماعية، ناظمة لدور المرأة، بما يتفق مع الذهنية الذكورية التي تستمد منابعها من تعاليم الأديان والمذاهب ومفسّريها، مضافاً إليها ما راكمته عصور الانحطاط، وعصور تحالف الاستبدادين السياسي والديني، لإبقاء مجتمعاتنا في حالة خمولٍ وتواكل، ينعكس، أكثر ما ينعكس، على المرأة، كونها الأقل حظوةً في النص الديني، وبالتالي أقل حظوة اجتماعية من الرجل، وأي اختراقٍ، ولو جزئياً، من قبلها للسائد الاجتماعي قد يعرّضها للرجمين، المعنوي والمادي.
ومن السائد أن تنتهي حياة المرأة العاطفية والجنسية بعد وصولها إلى "سن اليأس"، خصوصاً إن كانت امرأة وحيدة، (عانس، مطلقة، أرملة)، فخصوبتها اللازمة لحفظ النوع واستمرار الحياة قد انتهت، وعلى مشاعرها وخلاياها أن تنتهي في المرحلة ذاتها. يحدث هذا مع نساءٍ كثيرات في هذه المرحلة العمرية، تتواطأ الطبيعة مع الجسد مع اللاوعي مع المجتمع، لركن الأنثى في النصف الثاني من حياتها جانباً. وأعرف سيدات، بالغات الجمال، ما إن تجاوزن الخامسة والخمسين، حتى بدأن يشعرن بالشيخوخة، وبأن الحياة انتهت بالنسبة لهن. استطعن قتل مشاعرهن وغرائزهن الطبيعية، ودفنها في أبعد فراغات الذاكرة. بالتالي، يصبح أي حديث عن الحب والعلاقة الجسدية والزواج بالنسبة لهن شبيهاً بالتجديف، مع أنه علمياً (سن اليأس) لا علاقة له بالرغبة الجنسية، ولا بمشاعر الحب.
الجنس غريزة، والحب كيمياء عقلية، لا يوقفهما عمر معين، والاثنان غير معنيين بالفارق العمري بين الشخصين. الانتباه إلى هذا الفارق هو فعل الوعي الاجتماعي، الجسد والمشاعر أبعد من الوعي الاجتماعي بكثير. لهذا ربما استهجنت نساءٌ عرب كثيرات أن يكون المرشح الفرنسي الرئاسي الشاب إيمانويل ماكرون متزوجاً من امرأةٍ تكبره بربع قرن. لم يكن الاستهجان للحالة نفسها، حسب ما أرى، بقدر ما كان استهجاناً ذاتياً لعجز الناقدات عن القبول بأنهن في عمر متقدّم، يمكّنهن من أن يكنّ مرغوبات من رجال يصغرهن بأعوام. استهجان الذات العاجزة عن التخلص من طبقات الوعي الحاجبة للرغبات، استهجان الذات على عجزها عن الاسترخاء مع رغباتها ومشاعرها المستمدة من كينونتها البشرية التي ما زالت تتنفس هواء الحياة.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.

The website encountered an unexpected error. Please try again later.