احتقان المشهد الحكومي بالمغرب: وزير "حقوق الإنسان" غاضب وحزب "التقدم والاشتراكية" يهدد

29 أكتوبر 2018
أشادت أحزاب في الحكومة بالاحتجاجات الشعبية(جلال مرشدي/Getty)
+ الخط -


اتسم المشهدان الحكومي والحزبي في المغرب خلال الفترة الماضية، بعددٍ من التوجهات والقرارات المشوبة بنوعٍ من التوتر والاحتقان داخل البيت الحكومي، بدءاً من "مقاطعة" وزيرٍ أعمال المجالس الحكومية، وصولاً إلى تهديد حزبٍ مشارك في الحكومة، بالانتقال إلى المعارضة.

وسجّل مراقبون أن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، يقاطع أخيراً مجلس الحكومة المنعقد أسبوعياً، إذ لم يحضر ثلاثة مجالس حكومية، ومن دون أسباب وجيهة، وذلك

بسبب غضبه من عدم نشر الأمانة العامة للحكومة، الخطة الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان في الجريدة الرسمية، وهي الجريدة الحكومية التي تصبح القوانين سارية المفعول، بمجرد نشرها فيها.

ويلتزم الرميد الصمت حيال هذه الأزمة، فهو يشعر بأنه من جهة لا يرغب في "نشر الغسيل الداخلي" للحكومة، حتى لا تتفاقم المشاحنات والخلافات، فيما يشعر من جهة ثانية بأن لا سبباً مقنعاً لامتناع الأمانة العامة للحكومة عن نشر الخطة المذكورة، ما دامت جميع الأطراف الحكومية موافقة ومطلعة عليها.

وفي الوقت الذي ينتظر وزير الدولة أجوبةً مقنعة من الأمانة العامة، التي يحلو للبعض في المغرب تسميتها بـ"مقبرة القوانين"، بشأن رفض نشر تفاصيل الخطة الوطنية لتطوير حقوق الإنسان، يتمسك الأمين العام للحكومة محمد حجوي بعدم نشرها اليوم، ليفاقم بذلك "الأزمة الصامتة" داخل البيت الحكومي.

في هذه الأثناء، خرج حزب "التقدم والاشتراكية" (المشارك في الحكومة) ببيان حول رؤيته لمختلف القضايا السياسية والاجتماعية في البلاد، اعتبر فيه أن "مسألة مواصلةِ حضورِ الحزب في الحكومة ليست أمراً مقدساً، بل هي موضوع يُمْكِنُ الرجوع إليه والتداول فيه ومراجعته في أيّ لحظةٍ من طرف اللجنةِ المركزية، صاحبةِ القرارِ الأولِ والأخير".

وتابع الحزب، الحليف الأقرب إلى حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة الحالية، أنه "بقدر ما تَمَاهَت الحكومة، التي نحن الآن جزءٌ من أغلبيتها، مع منطقِ وديناميةِ الإصلاح، حظيت بدعمنا وانخراطنا، إلا أنه إذا ابتعدتْ عن ذلك، فسنعود إليكم قصد اتخاذ الموقف المناسب".

ولم يجد "التقدم والاشتراكية" حرجاً في الإشادة بالاحتجاجات الاجتماعية المتنامية في البلاد، معتبراً أن تلك التي تندلع "في جرادة وزاكورة وتنغير والحسيمة وسلا وغيرها، كما حركة مقاطعة عددٍ من المنتجاتِ والشركات، هي حركاتٌ تلتقي كُلُّها حول مطلبِ تحقيقِ الكرامةِ والعدالةِ الاجتماعية، وتستنكر تنامي الفقر والبطالة وتراجعَ القدرة الشرائية وارتفاعَ الأسعار".

بدوره، جاء قرار اعتماد التوقيت الصيفي بعدما كان المغاربة ينتظرون العودة إلى الساعة القانونية للمملكة يوم أمس، ليثير الكثير من الانتقادات حيال قرار الحكومة، ومن ضمنها ما صدر من المجموعة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم نفسه، من أجل الكشف عن الأسباب والدواعي وراء تغيير الساعة القانونية للمملكة.

ورأى برلمانيو الحزب الأغلبية بأن قرار إضافة ساعةٍ بشكل دائم طيلة العام، "أثار ردود فعل واسعة في صفوف المواطنين"، متسائلين عن "دواعي الاستعجال في ظل التخوفات المشروعة التي أبداها المواطنون بخصوص التداعيات الصحية والأمنية والروحية وغيرها".

إلى ذلك، وجدت بعض أحزاب المعارضة في المستجدات الحاصلة، ما يجعلها تتهم الحكومة بـ"العيش في زمن الارتجالية السياسية". واعتبر نزار بركة، زعيم حزب الاستقلال، أن "عمل الحكومة اتسم خلال هذه الفترة بالتقاعس والتردد والبطء والارتجالية، كما هو الحال في قرار اعتماد التوقيت الصيفي، الذي أربك المجتمع المغربي بأكمله".

من جهته، أكد مصدر مسؤول مقرب من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "خلافات مكونات الحكومة عندما تحصل يجب أن تُحل داخل الأغلبية الحكومية، وليس في وسائل الإعلام، وثانياً هي تعبر عن رحابة صدر الحكومة لقبول الآراء والانتقادات، حتى لو جاءت من قبل أطراف الحكومة نفسها، فهذا لا يضرها، بل يقوي لحمتها وتماسكها".

وحول هذه المستجدات السياسية، رأى الباحث السياسي إدريس الكنبوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن فوز "العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية في العام 2011، "أصاب الجميع بالصدمة، لأن أيّ حزبٍ مغربي لم يكن يضع ذلك ضمن توقعاته، وضمن أي من السيناريوهات الموضوعة".


ولفت الكنبوري إلى أن ذلك أدى "إلى حصول اضطراب لدى الأحزاب التي تفتقد الأسس المنطقية للعمل السياسي العقلاني، ما نتج منه فوضى في الاصطفافات والتحالفات"، معطياً مثالاً حزب "التقدم والاشتراكية"، الذي كان تحالفه مع الإسلاميين "خطاً أحمر"، أصبح اليوم "خطاً برتقالياً".

ولفت الباحث السياسي إلى أن "الاتحاد الاشتراكي الذي رفض التحالف مع الإسلاميين في الحكومة الأولى لأسباب أيديولوجية، عاد ليتراجع والتحق بالحكومة الثانية"، معتبراً أن "العدالة والتنمية نفسه يقاسي غياب المرجعية، ففي الوقت الذي يطرح خطاباً شعبياً، يتخذ إجراءات غير شعبية، لكنه يريد في الوقت ذاته الحفاظ على معادلة صعبة، ألا وهي البقاء في الحكومة، والمحافظة على وزنه الانتخابي". 

وخلص الكنبوري إلى "أن التحالف الحكومي سيكون هشّاً، فالمشهد من الخارج والتصريحات الصادرة، تظهر أن هناك توافقاً، لكن الباطن يخفي رغبة في تصفية الحسابات السياسية بين جميع الأطراف، كما كان الأمر في عهد الحكومة السابقة، بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، واليوم يجري ذلك بينه وبين التجمع الوطني للأحرار".