إيريك فروم.. عودة إلى "فن الحب"

14 فبراير 2017
أوكا ليلي/ إسبانيا
+ الخط -
يقع الحب مثل حادثة سير، يحدُث بغتة، هكذا نفكّر في ثقافتنا، وربما تلخّص صورة كيوبيد وهو يضرب سهمه هذه الفكرة التي يعيش عليها الحب في مجتمعاتنا، إنه لا إرادي، ولا يفكّر ملايين البشر وربما لا يقبلون فكرة أن الحب مهارة يمكن تعلّمها وهناك أساتذة في الحب وهناك مبتدئون وهناك من لا يتقنون هذه المهارة. فشلُنا في الاعتراف بالجانب المتعلّق بمهارات الحب هو أحد أسباب الإخفاق فيه.

وهذا هو الجانب الذي جرّب عالم النفس الألماني الأميركي إريك فروم (1900-1980) استكشافه في كتابه "فن الحب" (1956)، معتبراً أن الحب مهارة يمكن صقلها مثلما يصقل الفنان مهارته إلى أن يصل إلى احترافها بالمعرفة والجهد.

يسعى الكتاب إلى إظهار أن الحب ليس إحساساً يمكن لأيٍّ كان أن ينغمس فيه، بغضّ النظر عن مستوى النضج الذي بلغه. وأن كل حبّ محكوم بالفشل إن لم يقم من يكون في الحب بتطوير شخصيته في الحب، فالرضا في الحب لا يمكن بلوغه من دون معرفة كيف نحبّ الآخر، ومن دون ما يصفه فروم بـ التواضع الحقيقي والشجاعة والإيمان بل والانضباط أيضاً. وفي ثقافة تبدو هذه الصفات نادرة بالعموم، لذا فإن بلوغ القدرة على الحب ستبقى غير متحقّقة.

ويعتبر فروم أن معظم البشر يرون أن الحبّ في أن يكونوا محبوبين أكثر من أن يكونوا محبّين، أي أن المعضلة لديهم هي كيف يكونوا محبوبين وقابلين للحب. يعزو فروم ذلك إلى تطوّر المجتمع الحديث، والذي حتّم مع تطوّره أن يسعى المرء إلى أن يكون هدفاً للحب، وهذا بالضرورة يقود به إلى الخلط بين الوقوع في الحب وبين الحالة الدائمة في أن يكون في الحب، أو بدلاً من الوقوع في الحب الوقوف فيه، على حد تعبير فروم. وهو أمر ناقشه ستاندال قبل أكثر من قرن في ما أطلق عليه "بلورة الحب".

أوكا ليلي

إذا ترك غريبان الجدار الذي بينهما يسقط، بحسب فروم، وشعرا بالقرب وبأنهما واحد، فإن هذا الواحد هو أكثر التجارب إثارة في الحياة. وهو أمر أقرب إلى المعجزة بالنسبة إلى شخص وحيد ومنعزل يعيش من دون حب.

ويضيف أن هذه الحميمية المعجزة عادة ما تكون مرتبطة بالانجذاب الجنسي، ولكن صاحب "الخوف من الحرية" يؤكّد على أن هذا النوع من الحب بطبيعته لا يدوم. حيث يعتاد الاثنان على بعضهما وتفقد الحميمية طبيعتها الإعجازية إلى أن يصل الاثنان إلى الملل المتبادل وموت الحب. فكثافة الشعور بأن أحدهما "مجنون" بالآخر، ليس دليلاً على الحب بل على مقدار الوحدة التي كانا يعيشانها قبل أن يلتقيا.

ربما لا يوجد مشروع يتكرّر في الحياة ويبدأ بتطلّعات كبيرة ويفشل مثلما يفشل الحب. والطريقة الوحيدة لتجنّب هذا الفشل، بحسب فروم، هي إدراك أن الحب فن، وأنه للتمرّس فيه والاستمرار فهو تجربة تحتاج إلى التعلّم والتدريب مثلما يتمرّن الفنان على العزف أو الرسم أو مثلما يمتهن الطب أو الهندسة. ويذهب فروم إلى أن هناك خطوات للتعلّم تقسّم إلى جزأين؛ الأول إتقان النظرية، والثاني إتقان التطبيق.

لكن فروم يلفت إلى أن الفنان يتعلّم النظرية والتطبيق وهو يعتبر أن فنّه هو حياته وأولويته، لكن مشكلة الإنسان في الحب أن يريد الحب ويعتبر كل شيء آخر في حياته أهمّ من الحب، وطاقته في التعلّم والعيش تذهب في تحقيق النجاح والكسب المادي و"البرستيج" الاجتماعي.

في "فن الحب" (ترجمه مجاهد عبد المنعم مجاهد وصدر عن دار "الأنجلو المصرية")، يدرس فروم المفاهيم الخاطئة والمغالطات الثقافية التي تمنعنا من إتقان الحب.

دلالات
المساهمون