03 نوفمبر 2024
إيران... حدود الهيمنة
في اللحظة التي وطئت فيها قدما الخميني أرض طهران، تحدَّد المسار السياسي للثورة الإيرانية. جرى التخلص على عجلٍ من العناصر المعتدلة التي شاركت في الثورة، وتم إعدام كل كوادر الشاه التي يمكن دمجها ضمن مؤسسات الدولة الجديدة. وصرّح الخميني إن الجيش يجب ألا يتدخل في السياسة، وكان ذلك التصريح لفائدة تشكيل مليشيا عسكرية سمّاها "حرس الثورة". تضخمت هذه المؤسسة، شبه الرسمية، على حساب كل قطاعات المجتمع الإيراني، وأصبح لها أذرع في الاقتصاد والصناعة والسياسة والدين، وشكلت يد المرشد العام ولسانه وسوطه، فاختُزل النظام في إيران إلى حرس ثوري، يقف على رأسه رجل دين ذو توجه مذهبي.
كان الخميني يعتقد أن ثورته ستلهم الدول المجاورة، لتستنسخ ما جرى في بلاده، وتم تحشيد الحرس الثوري، ومن خلفة الجيش الإيراني، لهذه الغاية، لكن الضيق المذهبي الذي أحاطت الثورة الإيرانية نفسها فيه جعل الجوار يتعامل معها بحذرٍ وترقب. لجأت إيران إلى تغذية الأقليات الشيعية في لبنان والعراق ودول الخليج، وتعاملت معها بطريقةٍ تشبه الأسلوب الذي كان الاتحاد السوفيتي يدعم فيه الأحزاب الشيوعية في العالم، واعتَبرت التجمعات والتكتلات والأحزاب الشيعية أن إيران القاعدة الأم، ولها واجب الولاء والالتزام بما تقضيه. كانت سورية، كدولة، بمثابة درّة التاج لإيران، حيث فتح حافظ الأسد، ومن بعده بشار، كل المؤسسات السورية أمام الحرس الثوري الذي أصبح له حضور وقح، وبعناوين مختلفة كلها تؤدي الغرض المذهبي نفسه الذي كان يحلم به الخميني.
ساهمت الحرب الأميركية على العراق، بدون قصد، ربما، في تعزيز النفوذ الإيراني، وظهرت بوادر فالق مذهبي على مستوى الإقليم، بدت إيران واقفةً على أحد جوانبه، والسعودية على الجانب الآخر، ندّاً مذهبياً واقتصادياً، بحكم أنها تحتضن مكَّة الحاضرة الإسلامية الكبرى، وتعتمد في اقتصادها على النفط، كإيران تماماً، ما جعل مصر وتركيا، وهما معادلان ديمغرافيان لإيران، تلعبان أدوراً ثانوية، باعتبارهما ترفعان ألوية علمانية. أجّج الربيع العربي الحربَ الباردة بين الطرفين، واختصرت صراعات الإقليم إلى مجرد مواجهة سنية شيعية، إلى درجة هبطت فيها أهمية القضية الفلسطينية والوجود الاسرائيلي في المنطقة إلى الدرجة الثانية أو الثالثة، الأمر الذي شجع نتنياهو على عقد اجتماع في هضبة الجولان، ليعلن بنبرةٍ عاليةٍ أن الجولان إسرائيلية، ولن تعود إلى سورية، لا اليوم ولا غداً، ولا في أي وقت. جاء الإعلان في الوقت الذي كان فيه الحرس الثوري يخوض حروبه المذهبية في الريف السوري، من الشمال إلى الجنوب.
أبدى الحرس الثوري براغماتيةً عندما وافق على الاتفاق النووي لصالح مشروعه في الوجود على أكبر مساحة ممكنة، وبالشكل المذهبي الذي يطمح فيه، وحقق نقطة تكتيكية، جاءت في وقت حرج، وحقن بعض الوقت والديمومة في المشروع الأيديولوجي الذي يصارع ليبقيه على قيد الحياة.
يدير الحرس الثوري ظهره لحقيقة أن المناخ المذهبي الذي يطغى على المنطقة ليس في صالح إيران، فهي أقلية شيعية، وسط طوفان سني عالمي، وقد حان الوقت ليظهر العداء الجماعي الإسلامي الذي حضَرَت بوادره بمقرّرات مؤتمر اسطنبول، بعد التدخل غير المسبوق للحرس الثوري، في مجموعة من البلدان دفعة واحدة. وقد يكون الحرس الثوري بحاجةٍ إلى قدراتٍ استثنائيةٍ، لقمع تحرك داخليٍّ، سيقوم ضده، فيما لو فكرت السعودية أن تلعب دوراً شبيهاً بما تقوم به إيران، وذلك بتحريك الأقليات السنية المضطهدة داخل إيران.
ما زال الحرس الثوري قادراً على تموين مشروعه نقدياً وبشرياً، لكن الاستدامة هنا ليست نجاحاً، فالأمر يتعلق باللعب، بما يشبه المقامرة، على تحالفاتٍ مؤقتة، وتنازلاتٍ مكلفة داخلياً، ومخزية خارجياً، وتوافقاتٍ مرحليةٍ بين أجنحته المتعددة، والاستثمار في منطقةٍ غير مستقرة، تحتوي مذاهب عديدة. وقد تكون العوامل التي حرّكت مشروعه بضع خطواتٍ إلى الأمام سبباً في انهياره في لحظةٍ واحدة.
كان الخميني يعتقد أن ثورته ستلهم الدول المجاورة، لتستنسخ ما جرى في بلاده، وتم تحشيد الحرس الثوري، ومن خلفة الجيش الإيراني، لهذه الغاية، لكن الضيق المذهبي الذي أحاطت الثورة الإيرانية نفسها فيه جعل الجوار يتعامل معها بحذرٍ وترقب. لجأت إيران إلى تغذية الأقليات الشيعية في لبنان والعراق ودول الخليج، وتعاملت معها بطريقةٍ تشبه الأسلوب الذي كان الاتحاد السوفيتي يدعم فيه الأحزاب الشيوعية في العالم، واعتَبرت التجمعات والتكتلات والأحزاب الشيعية أن إيران القاعدة الأم، ولها واجب الولاء والالتزام بما تقضيه. كانت سورية، كدولة، بمثابة درّة التاج لإيران، حيث فتح حافظ الأسد، ومن بعده بشار، كل المؤسسات السورية أمام الحرس الثوري الذي أصبح له حضور وقح، وبعناوين مختلفة كلها تؤدي الغرض المذهبي نفسه الذي كان يحلم به الخميني.
ساهمت الحرب الأميركية على العراق، بدون قصد، ربما، في تعزيز النفوذ الإيراني، وظهرت بوادر فالق مذهبي على مستوى الإقليم، بدت إيران واقفةً على أحد جوانبه، والسعودية على الجانب الآخر، ندّاً مذهبياً واقتصادياً، بحكم أنها تحتضن مكَّة الحاضرة الإسلامية الكبرى، وتعتمد في اقتصادها على النفط، كإيران تماماً، ما جعل مصر وتركيا، وهما معادلان ديمغرافيان لإيران، تلعبان أدوراً ثانوية، باعتبارهما ترفعان ألوية علمانية. أجّج الربيع العربي الحربَ الباردة بين الطرفين، واختصرت صراعات الإقليم إلى مجرد مواجهة سنية شيعية، إلى درجة هبطت فيها أهمية القضية الفلسطينية والوجود الاسرائيلي في المنطقة إلى الدرجة الثانية أو الثالثة، الأمر الذي شجع نتنياهو على عقد اجتماع في هضبة الجولان، ليعلن بنبرةٍ عاليةٍ أن الجولان إسرائيلية، ولن تعود إلى سورية، لا اليوم ولا غداً، ولا في أي وقت. جاء الإعلان في الوقت الذي كان فيه الحرس الثوري يخوض حروبه المذهبية في الريف السوري، من الشمال إلى الجنوب.
أبدى الحرس الثوري براغماتيةً عندما وافق على الاتفاق النووي لصالح مشروعه في الوجود على أكبر مساحة ممكنة، وبالشكل المذهبي الذي يطمح فيه، وحقق نقطة تكتيكية، جاءت في وقت حرج، وحقن بعض الوقت والديمومة في المشروع الأيديولوجي الذي يصارع ليبقيه على قيد الحياة.
يدير الحرس الثوري ظهره لحقيقة أن المناخ المذهبي الذي يطغى على المنطقة ليس في صالح إيران، فهي أقلية شيعية، وسط طوفان سني عالمي، وقد حان الوقت ليظهر العداء الجماعي الإسلامي الذي حضَرَت بوادره بمقرّرات مؤتمر اسطنبول، بعد التدخل غير المسبوق للحرس الثوري، في مجموعة من البلدان دفعة واحدة. وقد يكون الحرس الثوري بحاجةٍ إلى قدراتٍ استثنائيةٍ، لقمع تحرك داخليٍّ، سيقوم ضده، فيما لو فكرت السعودية أن تلعب دوراً شبيهاً بما تقوم به إيران، وذلك بتحريك الأقليات السنية المضطهدة داخل إيران.
ما زال الحرس الثوري قادراً على تموين مشروعه نقدياً وبشرياً، لكن الاستدامة هنا ليست نجاحاً، فالأمر يتعلق باللعب، بما يشبه المقامرة، على تحالفاتٍ مؤقتة، وتنازلاتٍ مكلفة داخلياً، ومخزية خارجياً، وتوافقاتٍ مرحليةٍ بين أجنحته المتعددة، والاستثمار في منطقةٍ غير مستقرة، تحتوي مذاهب عديدة. وقد تكون العوامل التي حرّكت مشروعه بضع خطواتٍ إلى الأمام سبباً في انهياره في لحظةٍ واحدة.