عام 1976، كان شارل أزنافور في أوجّ شهرته الفرنسية والعالمية. وقتها، وبينما كانت صفة "الأسطورة الفرنسية" تلتصق به، كان مصرّاً على تأكيد هويته الأرمنية، في المقابلات الصحافية، وحتى في حفلاته. في تلك السنة أصدر أغنيته Ils sont tombés (سقطوا)، التي كانت تحكي حكاية الشعب الأرمني مع الأحداث التركية. الأغنية الشهيرة التي ترجمت إلى الإنكليزية والأرمنية والروسية اعتبرت بمثابة نشيد للشعب الأرمني حول العالم. كُرّس وقتها شارل أزنافور ناطقاً فنياً باسم الشعب الأرمني في دول الشتات التي هرب إليها.
لكن إنسانية شارل أزنافور، وقفت عند الحدود الأرمنية. فقبل 1976 وبعدها، كانت النقاط السوداء تتراكم في سجّله نتيجة تجاهله التام لجرائم الاحتلال الإسرائيلي. فغنى في فلسطين المحتلة أكثر من مرة، متجاهلاً نداءات المقاطعة التي وجّهت إليه مراراً.
المرة الأولى التي غنّى فيها أزنافور في فلسطين المحتلة كانت سنة 1949، بعد أشهر فقط من النكبة، حيث كان يتنقّل بين كباريهات تل أبيب "مدينتي المفضلة"، كما قال في مؤتمر صحافي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
عام 2013 تجاهل أزنافور كل الأصوات التي ارتفعت في فرنسا وخارجها مطالبة إياه بعدم الذهاب إلى تل أبيب للغناء هناك. لكنّه مجدداً تجاهل كل هذه النداءات، وحط الرحال في فلسطين المحتلة، محيياً حفلاً حضره الرئيس الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز، الذي دعاه لاحقاً إلى غداء خاص. أما المضحك في هذه الزيارة إلى تل أبيب فهو ما قاله أزنافور في المؤتمر الصحافي: "لست هنا للحديث في السياسة"، عند سؤاله عن موقفه من مطالبات المقاطعة التي وجّهت إليه. لكن كلام أزنافور بدا سطحياً وساذجاً و... كاذباً، إذ إن شعار حفلته كان "الترويج للسلام". السلام برعاية شيمون بيريز.
الحفلة التي نفدت تذاكرها شجّعت أزنافور على العودة مجدداً إلى المدينة المحتلة، فأحيا حفلاً سنة 2014، ثم سنة 2017، وكانت دولة الاحتلال على موعد مع حفلة جديدة في ذكرى ميلاد أزنافور الـ95 في شهر يونيو/حزيران 2019، لكن الموت سبق الحفلة.
علاقة أزنافور بدولة الاحتلال لم تقف فقط عند حدود الحفلات. فسنة 2017 تمّ تقليده ميدالية راوول والنبيرغ في إسرائيل، بسبب "إنقاذ عائلته لعدد من اليهود الهاربين من محارق النازيين"، وفق ما جاء في بيان التكريم.
ماذا أيضاً؟ الحقيقة أن تناقض مواقف أزنافور الإنسانية والسياسية، ومعاييره المزدوجة، جعلته يفقد كثيراً من مصداقيته، ومصداقية أغانيه وفنّه. فسنة 2015، أثناء احتفال العالم بالذكرى المئوية الأولى للأحداث التركية - الأرمنية، طالب الفنان الفرنسي دولة الاحتلال الإسرائيلي بالاعتراف بالمجزرة سنة 1915.
وقتها بدا موقف أزنافور أقرب إلى الخبث منه إلى الموقف الإنساني أو السياسي: يطلب من دولة احتلال عنصرية، قامت على الإبادة والتهجير، الاعتراف بالمسألة الأرمنية، من دون أي كلمة عن إبادة الفلسطينيين في أرضهم.
الخفة التي لا تصدّق في موقف أزنافور، أدت إلى موجة غضب كبيرة من قبل عدد كبير من الناشطين. فأصدرت "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" بياناً غاضباً موجهاً إلى أزنافور، جاء فيه: "سيد أزنافور، إذا كنت مهتماً فقط بشعبك، يجب أن تكون قد لاحظت الانتهاكات ضد الأرمن في فلسطين المحتلة. فعلى مدى سنتين، على سبيل المثال، سرقت السلطة الإسرائيلية الأراضي التابعة للدير الأرمني في مدينة القدس القديمة المحتلة وحولتها إلى موقف سيارات خاص باليهود فقط! وأكد السكان الأرمن الذين احتجوا على القرار أن لجنة الحي اليهودي في بلدية القدس القديمة فرضت رسوماً على وقوف السيارات قيمتها 200 شيكل، ثم منعت الأرمن أخيراً من الوقوف فيها (...) السيد أزنافور، هل طلبت من السيد غارو ساندروني وغيره من الأرمن في القدس أن يخبروك كيف يتصرف الطلاب اليهود المتطرفون أثناء مرورهم إلى جانب الأرمن والمسيحيين الآخرين؟".
نجح شارل أزنافور طيلة مسيرته في الخروج عن التصنيفات المعلبة والجاهزة للفنانين الفرنسيين، لكن طيفاً ثقيلاً جداً بقي يخيّم فوق مسيرته: التجاهل التام لإبادة أخرى تدور في مكان غير بعيد عن أرمينيا، اسمه فلسطين.
لكن إنسانية شارل أزنافور، وقفت عند الحدود الأرمنية. فقبل 1976 وبعدها، كانت النقاط السوداء تتراكم في سجّله نتيجة تجاهله التام لجرائم الاحتلال الإسرائيلي. فغنى في فلسطين المحتلة أكثر من مرة، متجاهلاً نداءات المقاطعة التي وجّهت إليه مراراً.
المرة الأولى التي غنّى فيها أزنافور في فلسطين المحتلة كانت سنة 1949، بعد أشهر فقط من النكبة، حيث كان يتنقّل بين كباريهات تل أبيب "مدينتي المفضلة"، كما قال في مؤتمر صحافي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
عام 2013 تجاهل أزنافور كل الأصوات التي ارتفعت في فرنسا وخارجها مطالبة إياه بعدم الذهاب إلى تل أبيب للغناء هناك. لكنّه مجدداً تجاهل كل هذه النداءات، وحط الرحال في فلسطين المحتلة، محيياً حفلاً حضره الرئيس الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز، الذي دعاه لاحقاً إلى غداء خاص. أما المضحك في هذه الزيارة إلى تل أبيب فهو ما قاله أزنافور في المؤتمر الصحافي: "لست هنا للحديث في السياسة"، عند سؤاله عن موقفه من مطالبات المقاطعة التي وجّهت إليه. لكن كلام أزنافور بدا سطحياً وساذجاً و... كاذباً، إذ إن شعار حفلته كان "الترويج للسلام". السلام برعاية شيمون بيريز.
الحفلة التي نفدت تذاكرها شجّعت أزنافور على العودة مجدداً إلى المدينة المحتلة، فأحيا حفلاً سنة 2014، ثم سنة 2017، وكانت دولة الاحتلال على موعد مع حفلة جديدة في ذكرى ميلاد أزنافور الـ95 في شهر يونيو/حزيران 2019، لكن الموت سبق الحفلة.
علاقة أزنافور بدولة الاحتلال لم تقف فقط عند حدود الحفلات. فسنة 2017 تمّ تقليده ميدالية راوول والنبيرغ في إسرائيل، بسبب "إنقاذ عائلته لعدد من اليهود الهاربين من محارق النازيين"، وفق ما جاء في بيان التكريم.
ماذا أيضاً؟ الحقيقة أن تناقض مواقف أزنافور الإنسانية والسياسية، ومعاييره المزدوجة، جعلته يفقد كثيراً من مصداقيته، ومصداقية أغانيه وفنّه. فسنة 2015، أثناء احتفال العالم بالذكرى المئوية الأولى للأحداث التركية - الأرمنية، طالب الفنان الفرنسي دولة الاحتلال الإسرائيلي بالاعتراف بالمجزرة سنة 1915.
وقتها بدا موقف أزنافور أقرب إلى الخبث منه إلى الموقف الإنساني أو السياسي: يطلب من دولة احتلال عنصرية، قامت على الإبادة والتهجير، الاعتراف بالمسألة الأرمنية، من دون أي كلمة عن إبادة الفلسطينيين في أرضهم.
الخفة التي لا تصدّق في موقف أزنافور، أدت إلى موجة غضب كبيرة من قبل عدد كبير من الناشطين. فأصدرت "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" بياناً غاضباً موجهاً إلى أزنافور، جاء فيه: "سيد أزنافور، إذا كنت مهتماً فقط بشعبك، يجب أن تكون قد لاحظت الانتهاكات ضد الأرمن في فلسطين المحتلة. فعلى مدى سنتين، على سبيل المثال، سرقت السلطة الإسرائيلية الأراضي التابعة للدير الأرمني في مدينة القدس القديمة المحتلة وحولتها إلى موقف سيارات خاص باليهود فقط! وأكد السكان الأرمن الذين احتجوا على القرار أن لجنة الحي اليهودي في بلدية القدس القديمة فرضت رسوماً على وقوف السيارات قيمتها 200 شيكل، ثم منعت الأرمن أخيراً من الوقوف فيها (...) السيد أزنافور، هل طلبت من السيد غارو ساندروني وغيره من الأرمن في القدس أن يخبروك كيف يتصرف الطلاب اليهود المتطرفون أثناء مرورهم إلى جانب الأرمن والمسيحيين الآخرين؟".
نجح شارل أزنافور طيلة مسيرته في الخروج عن التصنيفات المعلبة والجاهزة للفنانين الفرنسيين، لكن طيفاً ثقيلاً جداً بقي يخيّم فوق مسيرته: التجاهل التام لإبادة أخرى تدور في مكان غير بعيد عن أرمينيا، اسمه فلسطين.