إلى أمي: هل أنت راضية؟

31 مارس 2014
+ الخط -

أجبرني عيد الأم هذا العام أن أدخل بابا كنت اجتنبه. دخلت الغرفة، كل شيء لايزال كما تركته والدتي قبل أن ترحل منذ أشهر قليلة. جلست على سريرها، لمست اللحاف الذي كان يغطي جسدها الجميل، الذي أصبح نحيلا بعد أن نهشه المرض. بحثت عنها فوقه وتحته وسألته : هل زارتك أمي؟ لا أصدق أنها تركتنا أنا وأنت ، فهي تحبنا، قالتها عَددُ دقات قلبها...

قالوا إنها فارقت هذه الحياة، قلت لا أصدق فأنا لم أرها تذهب إلى قبرها. حتى عندما زرت ذلك الأسمنت المستطيل المزين بالفسيفساء الأندلسي الجميل، الذي قالوا أنه يغطي جسدها، لم أصدقهم... قل لي، أنت صديقها المفضل، وتعلم عنها ما لا أعلم ، هل زارتك أمي، هل سألتك عني، وماذا قالت لك، لا تقل لها أنني حزينة؟ فأنا لم أودعها قبل الرحيل؟ قلتُ لها آخر مرة رأيتها أنني سأعود كعادتي بعد أسابيع وأراها، نظرتْ إلي وأطالت النظر وقالت: "لن ترَينني بعد اليوم يا ابنتي". كانت نظرتها ونبرتها صادقتان، وكنت أعلم أنها راحلة لكننني رحلت.

أنت كنتَ حين رحلَت. هل ذكرت اسمي؟ هل كانت غاضية مني لأنني لم أكن معها يوم ذهابها الاخير؟ من أمسك بيدها لحظة الوداع، من حاول ضمها بقوة وابتسم في وجهها كي لا تخف من الذهاب بعيدا عني، آه يا صديق أمي لو تعلم عمق الجرح الذي خلفه هذا الفراق، هل تعلمه هي ؟ لا أريدها أن تعلم، لا أريدها أن تحزن.

لكن هل لك أن تُبلغها عني رسالة؟ هل لك أن تقول لها إذا زارتك ، أنني أفتخر بحبها وأخجل من تقصيري في برِها، قل لها إنني أشكرها لأنها أمي وأفتخر أنها نالت كل الجوائز تكريما لها على ما قدمته لي، ولكل من عرفها. تركت لي إرثا من الحب والاحترام لا أرى أنني أستحقه، لأنني تركتها ورحلت وأنا أعلم أنها راحلة.

سمعت أنها سامحتني لكني لا أصدق من قال لي ذلك، لأنني لم أسمعها تقولها لي بلسانها. بحثت عنها في كل مكان تعرفه، ناديتها وتحدثت الى صورها لكنها لا ترد، قالوا إن الأموات يعودون لأحبتهم، لكنني لم أرها، حتى في المنام رفضت أن تأتي، ربما لم تعد تحبني؟ لكنني أعلم أنها تحبني ، ربما تعاقبني، إذا فهي غاضبة مني. لكن أمي لم تغضب مني يوما،هل فعلت هذه المرة؟. قل لها يا لحافها إنني أُقبِل التراب الذي ابتلع جسدها لعلني أجد أثراً لها فيه.

... حتى أنت لاترد علي يا لحافها، اذا سأستمر أنا في مناداتها علًها تسامحني وترضى.

لا تجمعني بها ذكريات كثيرة، لأنني فارقتها وأنا طفلة بسبب دراستي، تلتها ظروف عملي، ثم دخلت في دوامة الحياة ونالت مني الأنانية بعض الشيء. سحبتني الغربة عنها، تلتها أزمات شغلتني عن دوري معها. لكنني عدت، قاومت معها المرض ونلنا منه سوية، لكن في غفلة مني تهشمت عظامها بقوة قبل أن أنتَبه، وانتصرعلينا المرض. تركني أبحث عنها في وجه كل أم أو جدة أوفي أي صورة تذكرني بها.

اليوم عيدك يا أمي، سأرسل لك هذه الرسالة علنَي أسمع منك، سأظل أسألك، والشوق يزلزل كل كياني، علك ترأفين لحالي و تزورينني ، لا أبالي بمن يتساءل عن دمعتي في هذا المقهى حيث أكتب لك الآن فاليوم عيدك وأنت الأهم.

كل عيد وأنت سعيدة أينما حللت يا حبيبة.

المساهمون