وليس حزب "العدالة والتنمية"، الذي يتزعمه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، الوحيد في تشكيلة الأحزاب "الإسلامية" في المغرب، فهناك أيضاً حزب "النهضة والفضيلة"، وحزب "البديل الحضاري"، و"الحركة من أجل الأمة"، فضلاً عن جماعة "العدل والإحسان"، التي وإنْ لم تكن حزباً سياسياً، إلا أنها تُشكّل رقماً صعباً لا يُمكن تجاهله في المشهد السياسي المغربي.
يصرّ حزب "العدالة والتنمية"، تحديداً بعد تجربة قيادة الحكومة الحالية، على التأكيد أنه "ليس حزباً إسلامياً بالمعنى الضيّق للكلمة، بل حزباً يُمنح من المرجعية الإسلامية، ويسعى في إطار الملكية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي".
وسُمّي الحزب بـ"العدالة والتنمية" سنة 1996، بعد أن كان اسمه السابق هو "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، والذي أسسه الأب الروحي للحزب، الراحل عبد الكريم الخطيب، بغية "تحقيق عدالة تتساوى فيها الفرص، وتتعدّى فيه التنمية المفهوم المادي".
وانطلق الحزب بمشاركة تدريجية ومتعقّلة، كما يصفها بعض المحللين، في الانتخابات البرلمانية 1997، وفاز خلالها بـ12 مقعداً برلمانياً، على الرغم من محدودية مشاركته في 24 دائرة من 325، تُشكّل مجموع الدوائر الانتخابية، لاعتبارات تنظيمية وسياسية.
وفي تلك الفترة عرفت العلاقة بين الحزب الإسلامي الطموح وبين الدولة، بعض الشد والجذب، تُوّجت بموقفه الرافض بشدّة لما سُمّي بـ"الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، لـ"تناقضها مع ثوابت الدين"، حسب رأيه، قبل أن تضطر الحكومة لسحب الخطة، ويتدخل العاهل المغربي لإنشاء قانون جديد للأسرة.
وفي انتخابات 2002، ارتفعت حصيلة حزب "العدالة والتنمية" من 12 إلى 42 مقعداً نيابياً، ليحلّ في المركز الثالث خلف حزبي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي"، وتموضع حينها في صفوف المعارضة. وجاءت أحداث الدار البيضاء الإرهابية في 16 مايو/ أيار 2003، لتُشكّل ضربة قاسية لـ"العدالة والتنمية"، واتهمه خصومه بـ"المسؤولية المعنوية" عن وقوع تلك التفجيرات الدموية، وصلت إلى حدّ المطالبة بحلّه، ما اضطر الحزب إلى تقليص مشاركته السياسية والانحناء للعاصفة إلى أن تمر. ومرت السنوات، قبل أن تهبّ رياح "الربيع العربي"، ويجني الحزب ثمارها، بفضل انتخابات نيابية مبكرة في المغرب، حصل فيها الحزب على المركز الأول، مشكّلاً الحكومة.
قد يكون مسار "العدالة والتنمية" هادئاً إلى حدّ ما، لكن جمعية "العدل والإحسان"، ومع أنها ليست حزباً سياسياً، إلا أنها تبقى أكبر التنظيمات الإسلامية، وعانت الكثير. أسسها مرشدها العام الراحل، الشيخ عبد السلام ياسين، سنة 1987، والذي توفي عام 2012، وذلك بعد أن كانت تعرف بأسماء كـ"أسرة الجماعة" أو "الجماعة الخيرية".
وشهد مسار "الجماعة" العديد من المضايقات الأمنية الحادة أحياناً، بسبب خطها السياسي المعارض بقوة للنظام الحاكم، والرافض للدخول في اللعبة السياسية، وكانت ذروة العلاقة المتشنجة بين الطرفين، عندما وجّه زعيم "الجماعة"، سنة 1974، إلى الملك الراحل الحسن الثاني رسالة بعنوان "الإسلام أو الطوفان".
ونصح ياسين الملك، القوي حينها، بأن يعود إلى "التوبة والرجوع إلى الإسلام وشريعته"، مقترحاً نموذج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، غير أن الجواب جاء عبر اعتقال ياسين 3 سنوات ونصف من دون محاكمة، أمضى جزءاً منها في مستشفى المجانين.
وما لبث ياسين أن وُضع رهن الإقامة الجبرية، التي أنهتها السلطات الأمنية في مايو سنة 2000، بعد تولّي الملك الجديد مقاليد الحكم بعد وفاة والده سنة 1999، كما تعرّض أعضاء الجماعة لسلسلة اعتقالات، باعتبار أن الجماعة "محظورة" قانونياً.
وساهمت الجماعة بقوة خلال مرحلة "الربيع العربي"، عبر مشاركتها في "حركة 20 فبراير"، في احتجاجات الشوارع المغربية المطالبة بالحرية والكرامة ومحاربة الفساد والاستبداد، وإرساء نظام ملكي برلماني، غير أن انسحابها المفاجئ من الحركة خلط العديد من الأوراق السياسية.
ويشير نائب رئيس الدائرة السياسية لجماعة "العدل والإحسان"، عمر أمكاسو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المنهاج السياسي للجماعة، يقوم على مبادئ عدة، أهمها الوضوح التامّ أمام الشعب والحكام في تشخيص الداء".
وتُشدّد الجماعة، وفق أمكاسو، على نبذ العنف أسلوباً للتغيير والتدافع: "نحن لا ندعو إلى العنف، لاقتناعنا أن ما بُني على عنف لا يُجنى منه خير، ولأننا أُمرنا بالرفق وحقن الدماء في زمن الفتنة، ولأن الذين يعوزهم الإقناع بالحجة هم الذين يلجأون إلى أساليب العنف".
وأكد القيادي أن "ما تريد الجماعة تغييره تحديداً في الواقع السياسي الراهن بالمغرب، هو أن يحكم الشعب نفسه بالطريقة التي يريدها هو، وأن يكون حراً في اختيار الحاكم، الذي عليه أن يكون مسؤولاً أمامه وخاضعاً لمراقبته ومحاسبته".
واستطرد بأن "الجماعة تدعو إلى إقامة نظام سياسي على قاعدة الإسلام، تُشكّل الشورى أو الديمقراطية والعدل ركيزتيه، والإحسان روحه، والمشاركة العامة والتعددية السياسية وسلطة المؤسسات وسيادة القانون الضامن لاستمراره وحيويته".
وتطمح الجماعة، بحسب أمكاسو، إلى "الاتفاق على ميثاق جامع تسهم فيه القوى الحية بالبلاد، من أجل إنهاء عهد طويل من الاستبداد والتخلّف الذي ابتلينا به في وطننا وأمتنا، إذ لا يستطيع أي طرف وحده التصدي له مهما كانت قوته السياسية والميدانية"، وفق تعبيره.
أما حزب "البديل الحضاري"، الذي تأسس بشكل غير رسمي في عام 1995، فقد حصل على ترخيص قانوني في عام 2005، وتمّ حلّه في 2008، بعد اتهامات وُجّهت لبعض قيادييه بالمشاركة في أعمال إرهابية، قبل أن يفرج عنهم بموجب عفو خاص في سنة 2011، وهم مصطفى المعتصم، ومحمد أمين الركالة، الذي استقال من الحزب بعد خروجه من السجن.
ويؤكد الحزب أنه "ينهل من معين المرجعية الإسلامية، ومن مرجعية الحكمة الإنسانية على حد سواء"، ويعتبر أن النظام الملكي "أداة للوحدة الوطنية"، ولا يمانع في الانفتاح والتعامل مع الأحزاب اليسارية، كما يرفض الدخول في أي استقطاب سياسي على أساس الدين.
وأما حزب "النهضة والفضيلة"، فقد تأسس في ديسمبر/ كانون الأول 2005، بقيادة محمد خليدي، وعدد من القياديين الآخرين الذين انشقوا عن حزب "العدالة والتنمية"، ويقدم نفسه على أنه "حزب وطني ديمقراطي ذو مرجعية إسلامية تستند على مشروع رؤية تستدعي أسئلة العصر".
ولفت الحزب الأنظار في الآونة الأخيرة، بعد استقطابه لوجوه سلفية معروفة، مثل الشيخ أبو حفص رفيقي، المعتقل السابق على ذمة قضايا الإرهاب عقب أحداث الدار البيضاء، وحكم عليه بـ20 سنة سجناً نافذاً، قبل أن يقضي 9 سنوات ويفرج عنه بعفو ملكي خاص في 2011.