إسلام السلطة، إسلام سلفي متشدد، إسلام سياسي، إسلام مخابراتي، وإسلام شعبي معتدل، و كما لكل تيار من هذه التيارات مرجعية فكرية وعقائدية فإن له، أيضاً، فقهه ومشروعه السياسي يضاف لها نهج ورموز.
1- إسلام السلطة: وهو ما صدّره ويصدّره نظام الأسد من تحريف للواقع عبر مؤسسات دينية تابعة لنهجه الطغموي والإجرامي، عبر رموز دينية لها ما لها من مرجعيات فكرية تمت قولبتها لتتماشى مع نهج الأسد في مواربة الواقع وتكذيب التاريخ والاستئثار بالسلطة، ومن إفراغ للمضمون على حساب الشكل، وهذه المرجعيات والتي تمثل أداة من أدوات الاستبداد (علماء السلطان) والتي أبت إلا أن تكمل مسيرتها اللا أخلاقية، بدايةً من الدعاء ببقاء الأسد في مساجدهم قبيل الثورة إلى الدعوة لتشويه الثورة والثوار ومطالبهم الشرعية خلالها، وقد تبنى هذا التيار خطاب النظام في نظرية المؤامرة التي تستهدف دول (المقاومة والممانعة)، ولعل أبرز رموز هذا التيار ممن عاصروا الثورة: محمد سعيد رمضان البوطي والذي تمت تصفيته من قبل النظام، وأحمد بدر الدين حسون (مفتي الجمهورية) وأحمد عبد الستار السيد (وزير الأوقاف)، والذي دأب النظام على تقديمهم كممثلين عن الإسلام الوسطي، إسلام التسامح و الاعتدال بغية تقديم نفسه من خلالهم على أنه وإياهم يمثلون الوجه المدني والحضاري والعصري.
ويضاف إلى هذا التيار السلطوي ما يعرف بالقبيسيات، واللواتي شاركن ويشاركن في تلميع صورة النظام وتقديم خدمات جليّة له، عبر ما يرددنه من توصيفات وشروحات وشعارات كاذبة، وتلفيقات عن طبيعة النظام الوطنية واستبساله في دفاعه عن الإسلام و قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وذلك في اجتماعاتهن المنسق لها أمنياً. إذاً، يتمحور تيار الإسلام السلطوي هذا، حول مهمة جوهرية واحدة، وهي التسبيح بحمد النظام وتجميل صورته وتعويمه شعبياً. فالمؤسسات الدينية والتي هي جزء من مؤسسات النظام هي كغيرها من المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية والتي تم تفريغها من مضمونها كمؤسسة، وتم توظيفها وبصورة متكاملة لدعم استبداد النظام وتحت وصايته الأمنية.
2- إسلام متشدد: وهو التيار الذي ابتدأ برفع الرايات السوداء على حساب علم الثورة وكفّره بدوره، وهو التيار الذي استخدمه النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر في حرف الثورة عن مسارها السلمي وتوجيهها نحو السلاح، وليس خافياً على أحد بأن زهران علوش ورفاقه هم أبرز رموز هذا التيار والذين أفرج عنهم النظام من سجن صيد نايا في بداية الثورة السورية لمعرفته اليقينية بتوجههم المتطرف وتسارعهم نحو السلاح، وقد أتت خطة الإفراج عنهم كخطوة داعمة نحو ما أراد النظام تصديره للرأي العام بأن ما يحدث في سورية ليس ثورة بل أسلمة مسلحة، و لينجح النظام بدوره في تحقيق ذلك بعد أن أضاف إلى إجرامه وعنفه غير المسبوقين تاريخياً، فصائل إسلامية مسلحة سهلت عليه إكمال الصورة التي أراد النظام عبرها أن يتبرأ من فعل الثورة والحراك السلمي وليحتضن بالمقابل صورة المتشددين المسلحين.
إن هذا التيار والذي يقاتل ضد النظام السوري، هو تيار لا وطني يعمل بأجندة خارجية ويساهم منذ نشأته وانطلاقته في تقديم خدمات جلية للنظام نتيجة تبعيته للمال السياسي وخضوعه لتداعياته من جانب، ولممارساته المتطابقة مع ممارسات النظام من حيث كم الأفواه والاعتقال والاختطاف والتعذيب والاغتيال، شأنه في ذلك شأن كافة ممارسات الأنظمة الشمولية من جانب آخر، بالإضافة إلى سعي هذا التيار نحو تحقيق مشروعه الخاص وهو إنشاء دولة لا تمت لمطالب الثورة السورية وطموحاتها بأية صلة.
3- إسلام سياسي (الإخوان المسلمون): بعيداً عن تاريخ هذه الجماعة والمعادي تاريخياً للنظام السوري، إلا أن أداءهم ونهجهم الانتهازي وتعطشهم للسلطة ترك آثاراً سلبية عديدة على الثورة، حيث تجسدت تلك الصفات الملاصقة لهذا التيار في محاولات الهيمنة السياسية على الثورة عبر (المجلس الوطني وائتلاف قوى المعارضة) من خلال تمركزهم في مواقع اتخاذ القرار، وخصوصاً السياسي والمالي، واستثمار ذلك بفرض رؤاهم وشروطهم، حسب ما يرونه متماشياً مع مصالحهم وليس مصالح الثورة، كما قاموا إعلامياً، وإعلاميا فقط على تمرير مقولات مفادها بأن الإخوان هم أصحاب الثورة، وهم شرارتها وهم منفذوها وأصحاب القرار فيها، وهم ولي أمر الأمر فيها وأحقهم ترأساً لها، في حين أن الواقع يقول عكس ذلك وليس بالنسبة للتيارات الإسلامية فقط، بل لجميع قوى المعارضة السورية، فجميعنا يعلم أن الشارع سبق السياسة وأن المعارضة السورية وبكل أطيافها بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين لم يستطيعوا حتى اللحظة مواكبة ثورة الشعب السوري، وأن الإخوان المسلمين لطالما قدّموا مصالحهم الفئوية على المصالح العامة للثورة، كما يعرف جميع الثوار أو المتتبعون للثورة السورية.
4- إسلام مخابراتي (داعش وأخواتها): لم يعد الغموض الذي اعترى تنظيم داعش في بداية ظهوره وارداً اليوم، فقد بددته عوامل عديدة كالتقارير والدراسات، الملاحظة والوعي، والتحليل السياسي لهذه الظاهرة، فمعظمنا بات على معرفة تامة أو شبه تامة بماهيّة هذا التنظيم المتطرف والذي تبين بأنه ليس سوى تجسيد لسياسات استخباراتية تابعة لدول عدة، لعل أهمها( أميركا، "إسرائيل"، إيران، روسيا، وبعض دول الخليج العربي) بالإضافة إلى تسهيلات مخابراتية محليّة للبلدان التي يظهر فيها هذا التنظيم. ونقول عن هذا التنظيم بأنه تنظيم متطرف، ليس تبعاً لقشوره الإسلامية المتستر وراءها، والتي أمست، أيضاً، مسرحية تاريخية هزليّة نتيجة تكرارها، وإنما لجوهره والذي يمثل تطرف سياسات ومصالح "رحم" الدول الذي انتجته ورعته واستثمرت، ولا تزال تستثمر وجوده ونشاطه. فماهيّة هذا التنظيم ليست إذاً إسلاماً سياسياً، بل إسلاماً مخابراتياً بامتياز.
وليست مصادفةً، أيضاً، بروز هذا التنظيم بُعيد بزوغ ثورات الربيع العربي، فمهمته الأولى إذاً محاولة تشويه ثورات الحرية والكرامة عن طريق محاولة صبغها بالتطرف الديني من جهة، وتشكيل مداخل دولية لتحقيق مصالح كل دولة من هذه الدول على حده من جهة أخرى، عن طريق ضرب القوى المسلحة الثائرة على طُغم الاستبداد المافيوية، والثانية هي محاولة من محاولات إخماد ثورات الشعوب العربية المطالبة بالحرية.
الأسلوب أو النهج التأسيسي لداعش تبنى ما يلي:
1. فرز وتقزيم الثورة إلى معادلة أحادية الأبعاد، قوى متطرفة ومعتدلة.
2. تسليط الضوء على تطرف داعش لإيهام الرأي العام بأن ما بقي من الثورة السورية هو قطع الرؤوس والإعدام حرقاً وإنشاء إمارات إسلامية ورايات سوداء.
3. إعداد مشهد تظهر فيه جرائم الأسد ومليشياته الطائفية كنظيراتها من الجرائم التي ترتكبها القوى المتطرفة الأخرى والمعادية بنيوياً للثورة.
4. التعاطي مع داعش – كتطرف- على أنه سبب وليس نتيجة، لخلق مبررات تحول دون الالتزام الأخلاقي للتدخل في سبيل إسقاط الأسد، مقابل الادّعاء بمحاربة التطرف عن طريق ملاحقة وضرب داعش نفسه.
5. إيجاد مبررات غير مباشرة لغض الطرف عن تلقي الأسد الدعم العسكري من عدة وعتاد، لزعمه محاربة ما يسميه بالإرهاب، وهو الذي لم يرمِ طلقة واحدة تجاه هذا التنظيم. مقابل رميه مئات من البراميل المتفجرة، يومياً، والتي تستهدف المدنيين ومئات البراميل من غاز الكلور.
والتي راح ضحيتها العديد من المدنيين، وخصوصاً من الأطفال والنساء.
وهنا نجد بأن هذا التيار، أيضاً، استفاد من الثورة ويستفيد ويفيد النظام السوري، وكل ذلك بعيداً عن مفاعيل الثورة السورية وطموحاتها ومآربها.
5- إسلام شعبي/ معتدل: وهو التيار الإسلامي الوحيد بين التيارات الإسلامية الموجودة في ساحة الثورة السورية الذي حمل على عاتقه، مرجعية وفكراً وكوادر ورموزاً، هم الوصول إلى تحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة والدولة المدنية، وذلك منذ انطلاقتها وحتى لحظتنا هذه، وهو بذلك يتمايز عن غيره من التيارات الإسلامية التي ركبت موجة الثورة أو استثمرتها لمشاريع لا وطنية من طرف، وعن إسلاميي السلطة وإسلاميي أجهزة المخابرات من طرف آخر، من حيث إنه مكون أصيل من مكونات الشعب السوري، فكراً وانتماء، وفصيل يتمتع بالوطنية والحس الوطني عبر فقه غير إقصائي، لا طائفي، وطامح للدولة المدنية، دولة القانون والمواطنة ودولة الكل الاجتماعي. إن إيمان شريحة واسعة من الشعب السوري، والذي يمثل هذا التيار معظمه (إسلامياً) بالمواطنة وبعقد اجتماعي يؤطر سلامة سورية، أرضاً وشعباً هو صمام أمان تجاه معظم الإشكاليات التي سيكون لها حظ وافر في مستقبل سورية ما بعد الأسد، وهذه الإشارة تستدعي منا وعلى اختلاف انتماءاتنا الدينية والفكرية والسياسية دعم هذا التيار بكافة الإمكانيات وبشتى المجالات، كونه مكوناً سورياً ثورياً بامتياز، ولأنه لم يدع فرصة إلا وأثبت، من خلالها، بأنه صاحب مشروع وطني وضامن للوطن والمواطنة، هو بذلك يمثل، أيضاً، سداً منيعاً في وجه دخلاء الثورة من متطرفين ودغمائيين من جهة، وقاسماً مشتركاً أكبر مع أصحاب المشاريع الوطنية من قوميين ويساريين وليبراليين من جهة أخرى.
أخيراً، يكفينا قولاً يوجز كل ما سبق، من خلال سرد مثال يبين لنا بنية وأصالة هذه التيارات من الناحية الوطنية أولاً، والثورية ثانياً، وستكون قبلتنا في هذا المثال هو كيفية تعامل النظام السوري مع مختلف التيارات سالفة الذكر، ومثالنا الحاضر دائماً: الإفراج عن زهران علوش ورفاقه من سجن صيدنايا مقابل زج يحيى الشربجي ورفاقه فيه.
(سورية)