إسرائيل ومساعي الانقلاب على الاتفاق

13 سبتمبر 2014
+ الخط -

لم يعد هناك من نقاش في أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وجيشه، خرجا من حرب غزة بهزيمة شاسعة. في حين أن حكومته باتت في حالة تصدع وشلل سياسي، وعلى الرغم من محاولات نتنياهو ممارسة الديماغوجيا على الجمهور الإسرائيلي، بادّعاء تحقيق النصرين، العسكري والسياسي، لكن كلامه لم يقنع أحداً من الإسرائيليّين، ولهذا، كان مثار انتقادات مستمرة، وصلت إلى حدّ السخرية والتندّر.

ما حصل في العدوان على قطاع غزة، مراوحة الجيش الإسرائيلي في المكان، حسب رأي محللين صهاينة عديدين، أحدثت إسرائيل في أثنائها دماراً هائلاً في قطاع غزة، وأسقطت آلاف الشهداء والجرحى، في حين أحدثت صواريخ المقاومة، التي غطت جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وعملياتها النوعية ضدّ جيش الاحتلال، تغييراً في ميدان المعركة قلب المعادلة العسكرية، وجعل زمام المبادرة بيد المقاومة، ما أدى إلى إحداث إرباكٍ غير مسبوق لدى القيادتين العسكرية والسياسية للكيان، ولدى المستوطنين. وعلى الرغم من وصف معظم المعلقين الإسرائيليين نتيجة الحرب على أنها تعادل قاتم، إلاّ أنّ الحديث عن التعادل قد يصحّ، إذا كان كلا الطرفين المتصارعين يملكان توازناً في القدرات والإمكانات وحرية الحركة. وفي الحالة القائمة بين المقاومة في قطاع غزة وجيش الاحتلال، لا يوجد أدنى توازن، لذلك فإن الحديث عن تعادل بين أقوى جيش في المنطقة ومقاومة محدودة التسليح يعني هزيمة مدوّية ومذلة لجيش العدو، ويوضح أنّ الردع الذي سعت إسرائيل إلى تحقيقه انقلب عليها، وإلى أنّ قرار خروجها إلى الحرب ليس كقرار خروجها منها.

ولذلك، سقطت قوة الردع الإسرائيلية مجدّداً في اختبار الميدان، وتمكنت المقاومة من أن تفرض معادلة ردعية في مواجهة إسرائيل، أرغمتها على قبول جزء من مطالبها الأساسية، وتشكيل هذه القوة أساساً يُمكّن المقاومة من فرض أمر واقع جديد على الاحتلال الذي بات يدرك أنه لن يستطيع، بعد اليوم، الانقلاب على الاتفاق، والعودة إلى إغلاق المعابر كما فعل عام 2012، لأنّ المقاومة ستعود إلى المواجهة التي سيتجنّب العودة إليها، فهو يريد الهدوء في الداخل الإسرائيلي، ولا يحتمل العودة إلى حرب استنزافٍ جديدة في المدى المنظور، لأنه يدرك مدى كلفتها، ولا يملك خيارات عسكرية تمكّنه من تحقيق النصر على المقاومة التي امتلكت القدرة والجرأة على مواجهته، والانتصار عليه في كلّ المواجهات في البرّ والبحر والجو، وفي خوض حرب الاستنزاف، حيث صرخ هو أولاً من ناحية ثانية.

وقد اعتراف المحللون الصهاينة بأنّ العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تتأسّس على توفر المعلومات الاستخباراية العسكرية، والردع، ونقل المعركة إلى أرض العدو، والحسم السريع، لم يتحقق أي منها في الحرب على قطاع غزة، ما قد يدفع القيادة الإسرائيلية إلى البحث عن تسويةٍ سياسيةٍ، تضمن لها الهدوء على جبهة غزة، بعدما فشل الحلّ العسكري. وسط حديث إسرائيلي عن أنّ الأرجح أن يكون الحلّ السياسي أو التسوية من خلال السلطة الفلسطينية، وبرعاية مصرية ودولية. لكن، مثل هذا الحلّ لا يمكن أن تقبله المقاومة، إذا لم يتضمّن إقامة ميناء غزة ومطارها، والتواصل بين غزة والضفة عبر طريق بري، وضمان تحقيق المطالب التي رفعتها المقاومة منذ ما قبل العدوان.

لقد أدّت نتائج الحرب إلى إحداث انقلاب وزلزال في مشهد الصراع، فنجاح المقاومة في فرض معادلة ردعية مع العدو غيّر قواعد الصراع لمصلحتها، وهذا ما يشكل التطوّر الأبرز الذي تولّد من انتصار المقاومة.

بدأت أعباء وتكاليف الحرب العدوانية، التي شنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، تلقي بثقلها على كيان العدو الذي تكبّد خسائر اقتصادية ومالية كبيرة، فيما كان واضحاً أن القيادة العسكرية الإسرائيلية تضغط على المستوى السياسي الإسرائيلي، لأجل الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في القاهرة، لضمان تحقيق الهدوء والحيلولة دون استئناف القتال.

وقد تجلّى ذلك في واقعتين بالغتي الدلالة، هما:

أولاً: تقليص الحكومة الإسرائيلية موازنة الوزارات، بملياري شيكل، لتغطية نفقات الحرب، ولا يشمل ذلك وزارة الحرب، ما يعني أنّ ما ستتأثر من خفض الموازنة هي وزارات الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحة والمواصلات.

ثانياً: توصية قيادة الجيش إلى الحكومة الإسرائيلية بتخفيف الضغوط العسكرية على المقاومة الفلسطينية، لمنع استئناف القتال مجدداً، والعمل على تنفيذ اتفاق القاهرة، القاضي بفتح المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع ومواد الإعمار، والتحويلات المالية، وتوسيع مدى الصيد في بحر غزة، بهدف الحفاظ على حالة "الهدوء".

ويبدو أنّ ورقة رئيس الحكومة الإسرائيلية التي سيعمل على لعبها، هي محاولة استخدام العصا والجزرة في التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية، من أجل دفعها إلى إنهاء اتفاق المصالحة مع حركة حماس، وظهر ذلك في العرض الذي قدمه نتنياهو للسلطة، والقاضي باستعداده لاستئناف المفاوضات، إذا ما قرّرت التخلّي عن المصالحة مع حماس.

والواضح أنّ عرض نتنياهو لا يحمل أيّ أفق سياسي، وإنما مناورةً لا أكثر ولا أقلّ، هدفها محاولة تفجير التناقضات الفلسطينية مجدداً، والاستفادة منها لمحاولة التهرب من المباشرة بتنفيذ الاتفاق، القاضي بفك الحصار بالكامل عن قطاع غزة، غير أن مثل هذه المحاولة سوف تصطدم، اليوم، بتوازن القوى الجديد في الساحة الفلسطينية الذي يصب في مصلحة المقاومة، ومعادلة الردع التي أوجدتها المقاومة، وأجبرت حكومة نتنياهو على الموافقة على الجزء الأكبر من المطالب الفلسطينية، وتعتبر الضمانة التي ستجبر إسرائيل على تنفيذ ما وافقت عليه، وعدم السماح بتكرار ما حصل عام 2012 من التفاف على تطبيق التفاهمات التي تم التوصل إليها آنذاك.

avata
avata
حسن حردان (فلسطين)
حسن حردان (فلسطين)