ما الذي سنتوقّعه من غابرييل غارسيا ماركيز، لو علم من مكانه الآن، أن الزيارات إليه ستكون وجهتها ولاية تكساس الأميركية وليس مدينته مكسيكو سيتي؟
بالنظر قليلاً إلى تاريخ الروائي الكولومبي صاحب "مائة عام من العزلة"، أدبياً وسياسياً واجتماعياً، وهو الصديق المقرّب لفيديل كاسترو، وبالنّظر إلى حقيقة أن اسمه لم ينزل عن اللائحة السوداء الأميركية لعقود، فقد كان ممنوعاً من الدخول إلى الولايات المتحدة؛ سنجد أنفسنا أمام سؤال يمكن أن يذكّرنا بـ"الواقعيّة السحرية" المقترنة باسم ماركيز وأدبه. وذلك للخبر الواقعي والسحري في آن، والمفيد بنقل إرث الروائي الحائز على "جائزة نوبل" عام 1982، إلى "مركز هاري رانسوم للبحوث" في جامعة تكساس.
من مقال نشرته "النيويورك تايمز" الأميركية، قبل أيام، سنعرف أن من بين ما سيُنقل إلى المركز من أرشيف ماركيز مخطوطات لمؤلّفاته ودفاتر وألبومات صور ومراسلات ومقتنيات وآلتي طباعة كورونا وخمسة أجهزة كمبيوتر "أبّل"، إضافة إلى مخطوط بعشر نسخ من روايته الأخيرة غير المنجزة "سنلتقي في أغسطس"، وأنها ستوضع جميعها إلى جانب أرشيف كتّاب آخرين كجيمس جويس وإرنست همينغواي وويليام فوكنر وخورخي لويس بورخيس وغيرهم.
ما قد يميّز ماركيز عن هؤلاء هو ما يمكن تسميته بالبغض المتبادل بينه وبين الولايات المتّحدة كقوة عظمى في هذا العالم، إمبريالية ومركزيّة، وتحديداً هذه الـ"مركزيّة" هي ما يمكن أن تأتي بأرشيف صاحب "الجنرال في متاهته" إلى عاصمة ولاية تكساس، أوستِن.
يشبه الأمر اقتناء دول مركزيّة في أوروبا تراث شعوب جنوبيّة، أتت بها في حقبة الاستعمار. متحف اللوفر في باريس مثال جيّد هنا.
أما كيف وصل مركز بحوث أميركي لهذا التراث؟ فبشرائه. ببساطة تنتقل مقتنيات ماركيز إلى البلد الذي مُنع من الدخول إليه لعقود، عن طريق شرائها من عائلة هذا الروائي الكولومبي. وقد رفض كل من المركز والعائلة التصريح بالمبلغ الذي حوّل ممتلكات ماركيز إلى ممتلكات قوميّة أميركية.
إضافة لسطو قوى مركزيّة على تراث شعوب أخرى واستئثارها بالتراث الإنساني، يطرح هذا الخبر سؤالاً آخر يتعلّق بمدى أحقية عائلة كاتب عالميّ كماركيز، في التصرّف بإرثه كمقتنيات عائلية صرفة، من مخطوطات وصور ورسائل، دون اعتبار أنها، بشكل أو بآخر، تراث إنساني ودون اعتبار تاريخ ومواقف صاحب التراث ذاته.