إخوة المغول .. عودة إلى أفغانستان

18 فبراير 2015
مسلح من طالبان أمام تمثال بوذا المدمر (فرانس برس)
+ الخط -
تبدو العودة إلى أفغانستان ضرورية لمعرفة حجم "الإنجازات" التي حققتها حركة طالبان على تلك الأرض. نبدأ من باب التذكير أنّ تلك الحركة كانت تحكم "سعيدة" في تلك الزاوية الهامشية من الكرة الأرضية. لم يكن مآل الأوضاع وما هي عليه ليعني في كثير أو قليل، دول القرار الكبرى في العالم. أما السبب فهو أنّ مصدر الاهتمام قد تراجع حتى حدود الانمحاء تقريباً. والمقصود بذلك الوجود السوفييتي الذي وقع في المصيدة. أكثر من ذلك، زال الاتحاد السوفييتي نفسه ومعه دول المعسكر الاشتراكي. وعليه لم يكن لدى واشنطن ولندن وباريس وغيرها أدنى عذاب من ضمير في التفكير بما هو عليه الوضع في تلك المنطقة الهامشية.

لكن ما يجب أن يسجل لطالبان خلال سنوات حكمها بعد انتصارها أنّ أعلى نسبة أمية كانت بين أبناء البلاد التي تحكمها، وأدنى درجة في الحصول على الخدمات الطبية. وبالتالي أقصر معدلات أعمار وأعلى نسبة في وفيات المواليد والأمهات. كل هذا ولم نتحدث عن دخل الفرد ومدى مساهمة قطاعات الإنتاج في الاقتصاد وغيرها من أمور تدخل في باب الغرائب والعجائب متى أضفنا إليها زراعة وتجارة الأفيون، ومن يشرف على تجارتها في الداخل والخارج.

طالبان خلال سنوات حكمها، عملت على تكريس التخلف والانغلاق. كانت أهم حادثة في وسائل الإعلام، تدمير تماثيل بوذا في باميان. زنرت التماثيل المحفورة في جبل باميان بكميات كبرى من الديناميت وأعلنت عزمها على تفجيرها. ارتفعت المناشدات الدولية بعدم نسفها، ومن بينها ما وجهه الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة الأونيسكو. لكن طالبان فعلت ما قررته، وسط التهليلات والتكبيرات. المبرر جاهز وهو أنها تقوم بما يمليه عليها واجبها الديني بالقضاء على الشِرك وعبادة الأصنام. هذا وكأنّ المسلمين الذين عبروا بأجيالهم على تلك الأرض، ليسوا مسلمين مع تركهم التماثيل آثاراً للأجيال المقبلة.

وبالطبع، لا بد من أن يترافق ذلك مع اجتثاث شذرات الحداثة التي عرفتها تلك البلاد في مراحل سابقة.

الأمور باقية على حالها الآن. ولا شك أن أفغانستان تنتمي إلى عالم غير العالم الذي تعيش فيه الدول والشعوب. والمعضلة أنّ مثل هذه السياسات تؤبد التخلف. لم تعد أفغانستان بلداً يمكن أن يصدّر السجاد وبعض الصناعات اليدوية المتقنة، بل بات يصدر طريقة اللبس واللحى وغيرها. أما الناس فما زالوا يموتون ومعدل أعمارهم 35 عاماً. والأطفال والأمهات يقضون بالآلاف بسبب نقص الخدمات الطبية. بينما الأمية تصول وتجول في طول البلاد وعرضها!

(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)
المساهمون