ومن أبرز ما يطالب به المحتجون هو "إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما رزمة إصلاحات جذرية، وإلغاء عسكرة الشرطة الأميركية، وفرض مراقبة على المؤسسات الأميركية التي تحصل على أموال فيدرالية لترسيخ الحقوق المدنية".
وكانت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات قد انطلقت بعد قرار هيئة المحلفين في ستايتن آيلاند، في مدينة نيويورك، إسقاط التهم الموجّهة ضد ضابط شرطة أبيض خنق المواطن الأسود إريك غارنر (43 عاماً)، أثناء القبض عليه للشكّ في بيعه سجائر بصورة غير رسمية.
وأدى الخنق إلى إصابة غارنر بسكتة قلبية. وجاء قرار تبرئة الشرطي في نيويورك، بعد أسبوع من قرار آخر لهيئة محلفين في مدينة فيرغسون، أسقطت هي الأخرى التهم الموجهة ضد شرطي أبيض آخر بعد قتله للشاب الأميركي الأسود الأعزل مايكل براون (18 عاماً).
"لا أستطيع أن أتنفّس"، و"حياة السود ذات قيمة"، و"لا تطلقوا النار، أيدينا مرفوعة"، هي بعض الشعارات التي رفعها وهتف بها المحتجون، ومعظمها مستوحاة ممّا قاله الضحايا قبل قتلهم. لا تُستخدم هذه الشعارات في التظاهرات فحسب، بل باتت وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي كـ"تويتر" و"فيسبوك".
كما ارتدى بعض المشاهير قمصاناً كُتبت عليها عبارة "لا أستطيع أن أتنفس"، تعبيراً عن دعمهم لمطالب المحتجين وتضامناً مع الضحايا، ومنهم عدد كبير من لاعبي فريق بروكلين نيتس لكرة السلة، وذلك أثناء تمارين الاحماء قبل مباراتهم، يوم الاثنين الماضي، مع فريق كليفلاند كافالييرز.
في تلك الليلة، شاهد الجمهور لاعبين يرتدون قمصاناً سوداء مذيّلة بتلك العبارة، ومنهم أبرز لاعبي كرة السلة، ليبرون جيمس، وذلك بحضور ولي العهد البريطاني الأمير وليام وزوجته كيت. وأقدم اللاعبون على هذه الخطوة المفاجئة على الرغم من ممانعة إدارة اتحاد كرة السلة الوطني (ان بي أيه)، لأسباب تتعلق بقمصان الدعاية للشركات الإعلانية. لكن الادارة قررت عدم تقديم اللاعبين لإجراءات عقابية.
وبرزت بعد مقتل براون وغارنر، منظمات كـ"الحراك من أجل العدالة" وحركة "حياة السود ذات قيمة"، وغيرها، التي تجمع تحت سقفها منظمات حقوق مدنية واجتماعية ودينية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. واللافت في الحراك، إضافة إلى التظاهرات اليومية في المدن الأميركية الكبيرة، كنيويورك ولوس أنجلوس وواشنطن، أو الصغيرة منها كفيرغسون، هو الجمع بين الاحتجاجات العفوية من جهة، والتركيز على احتجاجات يختارها المنظمون بشكل مستقلّ في كل مدينة والتنسيق في ما بينها على الأسلوب من جهة أخرى.
يختار المحتجون أماكن استراتيجية، كجسور معينة يغلقون حركة السير فيها، أو محطات قطارات مركزية مكتظة بالمسافرين. فينامون على الأرض ويبقى البعض الآخر حاملاً اللافتات. كما بدأ الحراك بالتوجه إلى مجموعات طلابية معينة في الجامعات الأميركية، كطلاب الطب في جامعة شيكاغو، لحثهم على القيام بفعاليات مشابهة في جامعاتهم. وقد نجح الحراك في استقطاب شرائح لا تشترك عادة في التظاهرات السياسية.
واستقبل الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي، في البيت الأبيض، ناشطين في الحقوق المدنية، ومسؤولين محليين وزعماء روحيين، إضافة إلى مسؤولين في قوى الأمن، للوقوف على مطالبهم وبحث سبل تعزيز الثقة بين قوات الشرطة وفئات مضطهدة دون غيرها في المجتمع، خصوصاً السود، إضافة إلى الأقليات الأخرى. ولخّص المحتجون طلباتهم التي قدموها لأوباما بثلاث نقاط أساسية: أولها مطالبة أوباما باستخدام صلاحياته الرئاسية للقيام بإصلاحات جذرية تتعدّى ما قام به حتى الآن. وكان أوباما قد خصص مبلغ 263 مليون دولار، من بينها 75 مليون دولار، بغية تجهيز عناصر الشرطة في البلاد بكاميرات صغيرة تُعلّق على السيارات في الرقبة أو على البزة أو النظارات أو الخوذة التي يلبسها عناصر الشرطة، مع العلم أنه بوشر باستخدام هذه الكاميرات في برامج تجريبية.
أما المطلب الثاني، فيتلخّص بأن تراقب وتلاحق الحكومة الفيدرالية المؤسسات والحكومات المحلية التي تُقدّم لها أموالاً، بغية استكشاف إمكانية سحب هذه الأموال عند حدوث خروقات تتعلق بالحقوق المدنية والدستورية للمواطنين. وقال أحد المنسقين والمسؤولين في حركة "حياة السود ذات قيمة"، فيليب أنغيو، وهو من الذين كانوا ضمن الحضور الذي التقى أوباما، في تصريح صحافي له، إن "على الرئيس استخدام نفوذه، ليصبح ما يقوله أكثر من مجرد خطابات وإجراءات لا تؤدي إلى تغيّر جذري، وعليه الاستفادة من السنتين الأخيرتين لحكمه". أما المطلب الثالث، فيتعلق بإلغاء "برنامج 1033"، الذي أقره الكونغرس عام 1997، ويُخصص مليارات الدولارات لعسكرة الشرطة الأميركية.
يتميّز الحراك الذي تشهده الولايات المتحدة حالياً، بانضمام شرائح لم تكن مسيّسة أو نشطة في السابق. وإن كان الدافع والمطلب الرئيسي هو التنديد بعنف الشرطة ضد السود والتفرقة العنصرية التي يظهرها القضاء الأميركي، فإن جمهور المتظاهرين متنوّع ويشمل كافة الشرائح والأقليات، بالإضافة إلى حضور لافت للبيض.
أما تنظيميّاً، فلا يعتمد المتظاهرون على مركزية وقيادة واحدة، بل يعتمدون على تحالف واسع النطاق يتم عبره التنسيق بين الناشطين المحليين وتوحيد الحراك على مستوى إقليمي. وتُعدّ تظاهرات اليوم ذات أهمية، لأن نجاحها يعتمد على ظهور أعداد كبيرة من المتظاهرين، وسيبعث رسالة إلى النخب السياسية في واشنطن تُفيد بأن "الكيل قد طفح وعليهم التحرك بشكل جدي". كما قد يشكل بداية لحركة مجتمعية سياسية أوسع، إذا نجح في توسيع حزمة المطالب واستثمار السخط المتنامي عموماً من عقم وفساد نظام الحزبين والمؤسسات السياسية التقليدية.